لماذا غاب أثر عبد الخالق السياسي؟

0 7

يعد عبد الخالق محجوب السكرتير الأسبق للحزب الشيوعي السوداني أحد مؤسسي تنظيم “حستو” الذي تكون من مجموعة من الطلاب السودانيين الذين كانوا يدرسون في مصر.

وحستو تعتبر النواة الأولى لتأسيس الحزب الشيوعي، مرورا بالجبهة الوطنية المعادية للاستعمار، ثم الحزب الشيوعي.

معارك عبد الخالق محجوب

خاض عبد الخالق محجوب معارك عديدة داخل الجبهة المعادية للاستعمار مع أمينها العام عبدالوهاب زين العابدين.

ثم في الحزب الشيوعي مع عوض عبد الرزق واتهم الأثنين بأنهم عناصر يمينية.. لا أريد أن أدخل في اسباب الصراع ووجهات النظر التي فجرت الصراع.

وأيضا خاض عبدالخالق محجوب صراعا فكريا ثقافيا على صفحات الصحف مع كل من أحمد سليمان وعمر مصطفى المكي.

حل الحزب الشيوعي

بعد حل الحزب الشيوعي 1965م حيث بدأ كل من سليمان والمكي في النصف الثاني من عقد الستينات في القرن الماضي تقديم فكرتيهما الانقلابية على السلطة.

عندما جاء الإثنان بمصطلح “الديمقراطيون الثوريون” وهي كانت رؤية مغايرة لما ورد على رؤية الحزب الشيوعي.

التي قال فيها في مؤتمراته (يرفض العمل الانقلابي بديلا للنضال الجماهيري اليومي) ولكن بعد الانقلاب.

وفي اجتماع اللجنة المركزية التي عقد في ذات يوم الانقلاب قال عبد الخالق مبررا قبولهم بالانقلاب .

(أن ما حدث صباح اليوم كان انقلابا عسكريا لا عملا شعبيا مسلحا قامت به قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية عن طريق قسمها المسلح).

مناظرة فكرية مع عبد الخالق

الغريب في الأمر أن عبدالخالق في مناظرته الفكرية مع أحمد سليمان وعمر مصطفي المكي كان يفند دعوتيهما.

ويعتقد أن التمسك بجانب النضال الشعبي من أجل الوصول إلي الديمقراطية هو الخيار الأفضل.. لكن غابت رؤية عبدالخالق بعد وقوع الانقلاب.

واستطاع الحزب أن يفعل مصطلح “الديمقراطيون الثوريون” بديلا عن النضال الجماهير للوصول للتحول الديمقراطي.

وتصبح قضية النضال الجماهيري والثوري هي مسألة تكتيكية تتغير وفقا للتغيرات التي تحدث في مسار العملية السياسية في البلاد..

صراع فكري

هذه القراءة التاريخية للصراع الفكري داخل الحزب الشيوعي، كان عبدالخالق أحد أعمدتها الأساسية، وهو الذي كان يتصدى لما اسماه التوجهات اليمينية في الحزب.

كان يعرف الحزب الشيوعي بعبد الخالق وكان يعرف عبد الخالق بالحزب الشيوعي هذا التماهي بين الأثنين لدور الرجل الفكري.

وتقديم مبادراته السياسية التي يستطيع من خلالها أن يخلق حالة من التوازن الفعلي لايجاد مخرج للمعضلات و التحديات السياسية.

غياب عبد الخالق

غاب عبد الخالق وحدث انشقاقا طوليا في الحزب جعل أغلبية قياداته تنزل تحت الأرض، في هذه الفترة أيضا جاء محمد إبراهيم نقد لقيادة الحزب.

واستطاع أن يذهب في ذات المسار باعتباره أيضا مفكرا.. وأتذكر هنا كان مدير الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون أجرى مع نقد حوارا عام 2011م.

وقال نقد أن التغيير ربما يأتي عبر انقلاب عسكري سأل مدير الهيئة متعجبا هل تعتقد سوف يحدث انقلابا مرة أخرى.. قال نقد طبعا.

مادام هناك تضييق في العمل السياسي لابد أن يحدث التغيير والانقلاب أداة تغيير..

التواصل مع القوى السياسية

كان الأثنان يتخذان من الفكر أداة للتغيير، وكانا قادران على التواصل مع القوى السياسية الأخرى، ويرجع ذلك للقراءة الصحيحة للواقع والأحداث وتعرف على ميكانزمات المؤثرة في الواقع..

إذا رحلنا إلي محطة أخرى في نوفمبر 2019م في ندوة أقيمت في جامعة الزعيم الأزهرى.

تحدث فيها الدكتور الشفيع خضر حاول أن يكون طرحه السياسي مغايرا عن الآخرين.

قال في حديثه (أن ﻋﺒﻮﺭ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻟﻠﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﺑـﺎﺟـﺮﺍء ﻣﺴﺎﻭﻣﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺗﻠﺒﻲ ﻁﻤﻮﺣﺎﺕ ﺍﻻﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﻭﺃﺣﺰﺍﺏ ﺍﻟﻴﺴﺎﺭ ﻭﻧﻮﻩ ﺍﻟﻰ ﺍﻥ ﺣﻞ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﺪﻭﻟﺔ ﻟﻦ ﻳﺘﻢ ﺍﻻ ﻋﺒﺮ ﻣﺴﺎﻭﻣﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ.).

الانحراف نحو اليمين

وأضاف قائلا (أن استمرار ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ يعود لفشل ﺍﻟﻨﺨﺐ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻻﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺆﺍﻝ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ، ﻭﻟﻐﻴﺎﺏ ﻣﺸﺮﻭﻉ ﻭﻁﻨﻲ ﻳﺨﺎﻁﺐ ﻣﻬﺎﻡ ﺍﻟﺘﺄﺳﻴﺲ).

ﻭﺍﻋﺘﺒﺮ (ﺃﻥ ﺃﺳﺎﺱ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻧﻘﺎﻁ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻻﺗﻔﺎﻕ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺗﺘﻀﻤﻦ: ﺳﻴﺎﺩﺓ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮن، ﺍﺳﺘﻘﻼﻝ ﺍﻟﻘﻀﺎء ﻭﻣﺴﺎﻭﺍﺓ ﺍﻟﻤﻮﺍﻁﻨﻴﻦ ﺃﻣـﺎﻡ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺑﺼﺮﻑ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋـﻦ ﺍﻟﻤﻌﺘﻘﺪ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﻨﺲ).

أن حديث الشفيع أغضب القيادات الاستالينية في الحزب التي ثارت عليه، واعتبرته أيضا انحرافا نحو اليمين.

بين المفكر والسياسي

أتذكر كتبت مقالا بعنوان “العقل والمساومة التاريخية بهدف التغيير” قلت في أحدى فقراته (هناك فارق كبير ونوعي بين السياسي وبين المفكر السياسي.

الأول يتعامل مع الأحداث من خلال تأثيرها السلبي والإيجابي علي المصالح التي يدافع عنها، أو يتعامل معها تعاملا سطحيا لا يسبر غورها.

ولا يبحث في الظاهرة لمعرفة ما هي مسبباتها والعوامل المؤثرة فيها، والثاني يسبر غورها ويبحث عن مسبباتها، والتعرف علي طرق علاجها.

وأيضا قدرة المفكر أن ينقل التفكير من القضايا الهامشية إلي قضايا أكثر جدية تشكل العمود الفقري للظاهرة.

إلي جانب تجاوز الشعارات السياسية كأداة للتعامل مع الظاهرة إلي الفكر).

الشفيع خضر وكمال الجزولي

الشفيع تتفق معه أو تختلف هو رجل يتعامل في السياسية بفكر، خلاف القيادات الاستالينية القابضة اليوم على مفاصل الحزب.

وهي قيادات جاءت بمعادلات الشللية والتكتلية وليس فرضها صراعا فكريا.

أيضا كان كمال الجزولي أحد القيادات التي تتعامل من خلال محوري الفكر والثقافة.

وكمال الجزولي عبر عن موقفه من القيادة الاستالينية بتقديم استقالته من اللجنة المركزية والمكتب السياسي.

واكتفى بالعضوية، لأنه من الصعب التعامل مع عقلية تراعي النصوص أكثر من مراعاتها للواقيع في المجتمع والتغييرات التي تحدث فيه.

كان موقف كمال الجزولي متسقا تماما مع رؤيته الفكرية، أنه يستطيع أن يكون مؤثرا في الرأي العام أكثر من تأثيره إذا كان مقيدا بمسميات وظيفية داخل الحزب.

دائرة الأحداث

لأن كمال كان رمزا في دائرة الإنتاج الثقافي تفرض عليه التعامل مع القضايا بالواقع وليس بأخذ الأذن والتقييد بالنصوص مثل القيادات الاستالينية.

وهذا الفقد للعناصر التي كانت تشتغل بالفكر هو الذي اقعد الحزب وجعله خارج دائرة الأحداث.

حيث القيادات الاستالينية ماتزال تتوقع الجذرية وتعتقد سوف ينبت فيها الريش بعد وقف الحرب.. نسأل الله حسن البصيرة.

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن

أقلام: صحوة نيوز

انضم لقروبنا في الواتساب

صفحتنا على الفيسبو

Leave A Reply

لن يظهر بريدك الإلكتروني عند نشر التعليق

شكرا للتعليق