مصطفى ابوالعزائم يكتب: منْ يلْعبُ بالنّارِ ستحْرِقَهُ

ونحْنُ في سرادق عزاء أستاذنا الرّاحل الدكتور إبراهيم دقش ، رحمه الله ، قبال ثلاث سنوات تقريباً ، كُنّا مجموعة على رأسها أستاذ الأجيال الخبير الإعلامي والسياسي الكبير البروفيسور علي شُمّو ، وتضُمّ إلى جانبه الدكتور الصادق الهادي المهدي ، والعميد الدّكتور الطاهر إبراهيم أبوهاجة المستشار الإعلامي في ذلك الوقت للقائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول عبدالفتاح البرهان ، وقد جاء ممثلاً له ، إضافة إلى عدد من أصدقاء الراحل المقيم الدكتور إبراهيم دقش ، رحمه الله ، وتنقّل الحديث بين عدد من الموضوعات بدءاً من الأوضاع السّياسيّة والإقتصادية ، مروراً بأوضاع الصحافة والإعلام ، إنتهاءً بالجيش السوداني ومطالبات بعض قصيري النظر بإعادة هيكلته ضمن مطالبة أوسع بهيكلة كل القوات النظامية من جيش وشرطة وأجهزة أمنية .

صديقنا الدكتور الصادق الهادي المهدي ، الذي أعتبره من أصحاب التقديرات السّياسيّة الصائبة دائماً ، تحدّث عن تاريخ الجيش السّوداني وقال إن الكثيرين يخطئون عندما يرجعون نشأة الجيش السّوداني إلى عام 1925م بعد غزو البلاد من قبل جيش كتشنر الذي بدأ معه الحكم الثنائي ، إثر إسقاط الدولة المهدية في الثاني من سبتمبر عام 1898م بعد معركة كرري ، إلا أن نهاية الدولة المهدية الرسمية كانت في الرّابع والعِشْرين من نوفمبر عام 1899م بعد مقتل الخليفة عبدالله في معركة أم دبيكرات .
يرى الدكتور الصادق الهادي المهدي إن نشأة الجيش السّوداني كانت مع بداية الثورة المهدية ، بينما نرى ويرى آخرون إن نشأة الجيش كانت مع قيام الممالك النوبية الأولى ، وهو ما ميّز الجندي السّوداني بالقوة ورباطة الجأش والصبر على المكاره، حتى أصبحت البلاد مطمعاً للراغبين في المال والرجال مثلما سعى إلى ذلك محمد علي باشا من قبل الدولة المهدية .

الآن بدأت أصوات تعلو وتتجرأ علناً مطالبة بإعادة هيكلة القوات النظامية وهي تعني الجيش في المقام الأول ، وأخذت بعض الجهات ذات المصلحة تتحرك من أجل تحقيق حلمها المستحيل ، من خلال مجموعات مسلحة وحركات يخضع بعضها لإملاءات الغير عن قصد أو عن جهالة ، وليس وراء هذا كُله إلا بداية النهاية لتفكيك الدولة من خلال تفكيك الجيش الذي أصبح هو الرابط الوحيد والأقوى لكل البلاد من خلال قوميته التي تسقط الجهويّات والمناطقيّات وتجعل من السودان وطناً للجميع .

للأسف الشديد بعض القوى شبه العسكرية الأقرب للمليشيات المُسلّحة ظنت أنها يمكن أن تحل محل الجيش الرسمي للبلاد ، وهذا ما لا تسمح به القوات المُسلّحة ولا الشعب السوداني ، ونرى إن الجهل النشِط آخذ في التمدّد ، ولم يعِ الدروس القديمة ، ولأنه ليس في بلادنا سرٌّ فقد تسرب بعض ما قيل في تجمّع قبلي أهلي من قبل أحد قيادات الصدفة ، يقول فيه إن الغلبة له ولمن يمثله ونسي إن كثيرين حاولوا قبله ذلك ففشلوا وذهبت ريحهم ، ولم يبقَ منهم سوى دروس وعبر في كتاب التاريخ الحديث .

محاولة التقليل من قدر الجيش لن يقبله أحد ولا يظُنّن ظانُ أنه سيكسر شوكة الوطن ، حتى وإن كان حليفاً أو يدّعي التحالف مع الجيش .. كل من يحاول اللّعب بالنّارِ ستحرقه لا محالة .
Email : sagraljidyan@gmail.com