حكاية من حلتنا يكتبها: آدم تبن

والكل يمنى نفسه بأن يسمع خبر يفرحه ويسر باله ويعود لطبيعته كما كان قبل إندلاع الحرب فى عاصمة البلاد الخرطوم ،

وطبع الإنسان على الخوف من أصوات الرصاص حتى فى أوقات السلم والأمن كلما سمع الناس صوت أعيرة نارية تشتد حدتها يهرعون الى أبواب منازلهم للإستطلاع ومعرفة المعلومة التى بعدها تطمئن قلوبهم ويعودوا لممارسة حياتهم الطبيعية ،

وهذا كما قلت فى زمن السلم والسلام ، فكيف يكون حال المدنيين فى حال الحرب وخاصة فى مناطق كانت آمنة مطمئنة لا يسمع فيها صوت السلاح إلا فى مناسبات الزواج ويكون الناس فى الحى أكثر خوفا من مفاجأت لم تكن فى الحسبان ،

فإستعمال الأسلحة وسط التجمعات السكانية له خطورته على حياتهم ، فكثيرا ما إنتهت المناسبات السعيدة بالحزن والبكاء بسبب إصابة مميته تصيب أحد أو بعضا من الحضور فتكون سببا فى إنهاء الحفل ليصبح مكانا للحزن بدلا من مكانا للفرح .

وهذه الحرب التى دارت أصوات مدافعها وأسلحتها وأزير طيرانها الحربى جعلت سكان العاصمة وبعض المدن السودانية الأخرى مثل الجنينة ونيالا والأبيض تعيش لحظات الحرب والقتال وتوقع ما لايحمد عقباه فى أى لحظة، رغما عن أن هذه المدن لها تجارب سابقة مع أصوات السلاح النارى ، لكن هذه المرة أصبح الخطر على السكان العزل أكثر قربا ورأوا الموت بعيونهم و(ليس من رأى كمن سمع)، خاصة أن هذه الحرب دخلت فى عملياتها القتالية (أسلحة ثقيلة) كما يسميها العساكر وهى ذات أصوات مختلفة من الأسلحة الخفيفة ووقعها مخيف فهى تهز الأرض هزا وتحول المبانى والآليات العسكريةالى حطام مبعثر ومحترق لايقوى الإنسان على مشاهدته ولاتفرق بين المقاتل والمواطن، وهنا بالطبع سيكون الخوف والرعب والهلع مسيطرا على السكان جميعهم وخاصة الأطفال والنساء والمرضى، والكل يمنى نفسه إما أن يتوقف القتال أو مغادرة المكان فى عجالة، حتى وإن لم يكن الشخص المعنى مهياءا للخروج الى الوجهة التى يحددها ، فكثير من الأسر غادرت منازلها وهى لم تحزم حقائب السفر كما كان معتادا فى أيام السلم أو حتى لم تودع الجيران أو المعارف وتقول لهم مع السلامة ونستودعكم الله وربنا يحفظكم ، فالحرب لم تتح فرصة للناس لملمة أشيائهم المبعثرة داخل غرفهم ناهيك أن تترك لهم فرصة حزم الحقائق أو وداع الجيران .

 

وعلى وقعها الصعب أظهرت الحرب جوانب إنسانية كثيرة فى مجتمعنا السودانى الذى يعرف كيف يسند بعضه بعضا فى ساعات المحن والحروب والكوارث الطبيعية ، فالعديد من الأسر غادرت منازلها وتركت بعضا من شبابها مع الجيران ليتولوا حراسة المنازل خوفا من السرقات التى يستغل فيها ضعاف النفوس خروج هذه الأسر من منازلها ، ليتسوروها ويكسروا أقفالها ويعيثوا فيها فسادا وسرقة ينهبوا كل ما وجودوه أمامهم أو يخربوا ما لا يستطيعون حمله حتى وإن كان ذو فائدة ، وبعدها يغادرون الى منزل آخر ، وهذا التواجد الشبابى رغما عن المخاطر التى يمكن أن يتعرضوا لها والعديد منهم يتواجدون فى مناطق الإشتباكات ، وهذا دلالة على همتهم العالية ومعدنهم الأصيل وحسن تربيتهم التى جعلتهم يضحون هذه التضحية الجسيمة من أجل أن تسلم منازلهم وممتلكاتهم من عبث العابثين وفساد المفسدين وتكون فى مأمن من أيديهم التى لاتعرف غير التخريب والسرقة والنهب،

وهؤلاء شباب يستحقون أن نقول لهم أحسنتم وقدمتم ما يستحق الثناء والمدح، ومثلتم سفراء للمهام الصعبة فى أوقات الحرب والقتال التى ينزوى فيها الناس ويهربوا بأرواحهم خوفا من الموت الذى كتب علينا أن نموته كما قال الله تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون).

حكايهحلتنامن