وصد:(صحوة نيوز)
فى منتصف المساحة المأهولة فى السودان، شمال شرقى وسط البلاد، حيث تقع الخرطوم العاصمة، بات ملايين السودانيين مهددين بالموت جوعا، بينما محاصيل بلادهم الخصيبة تموت عطشا أو حرقًا جراء استمرار النزاع المسلح الذى أصاب قطاع الإنتاج الزراعى بـ«شلل تام».
فى ريف بحرى الواقع بالولاية الشمالية من الخرطوم، ظل الحاج، معز قاسم، يجاهد لزراعة محصول الموسم الصيفى، بدءا من هرولتِه للحصول على البذور التى ارتفع سعرها 10 أضعاف، مرورا لتأمينه بعضًا من الوقود لتشغيل رشاشات الرى النيلى؛ ثم وصولًا لاحتراق أعصابه يوم تلو الآخر جراء مراقبته المحصول، بينما تلقى على مسامعه تجارب قاسية لمزارعين فقدوا محاصيلهم حرقا أو سلبا. انتهى مصير 100 فدان رعاها قاسم إلى الموت عطشا فيما سكان الولاية الريفية الخصيبة يتضورون جوعا، جراء استمرار النزاع المسلح فى الخرطوم.
ويؤكد «قاسم» أنه لم يعد أحد قادرا على الزراعة سوى عمالقة التجار والمزارعين، الذين بإمكانهم تخزين الوقود بكميات ضخمة فى ظل قفز أسعاره، أضعافا مضاعفة، فيما صغار المزارعين يتجرعون الحسرات.
وينقلنا «قاسم» إلى جانب آخر من معاناة الخرطوم، عبر سرد تجارب المزارعين فى الولاية الشمالية: «من نجا من غلاء البذور والوقود لم ينج من تلف الخضر، جراء تخزينها لمُدد أطول، إضافة إلى مشاكل النقل، ومن فلت بمحصول معافى لم يفلت من تعرض المحاصيل للسرقة بالإكراه أو الحرق نتاج الانفلات الأمنى الذى تعانيه المنطقة منذ شهرين، ومن نجا من هذه المخاطر، خسر ببيع محصوله بثمن بخس لا يضاهى نصف ما أنفق على المحصول
يروى قاسم لـ«المصرى اليوم»، معاناته خلال الأسابيع التسعة الماضية، وكيف تسبب غلاء الوقود وشُحه فى موت محصوله ومحاصيل مزارعى الولاية الشمالية عطشا: «لم أتمكن من تأمين جالونات الوقود لتشغيل رشاشات الرى من الترع المؤدية إلى النهر
ويضيف: «كغيرى من المزارعين لم نعد نلتفت إلى الخسائر المتلاحقة، ونسعى لتأمين الخضر والمحاصيل الضرورية لاستمرار الحياة فى الخرطوم».
ويتابع: «فور اندلاع النزاع المسلح ارتفع سعر المدخلات الزراعية من بذور وأسمدة إلى 10 أضعاف لكنى كغيرى من المزارعين كنا مضطرين لاستكمال الموسم لنصطدم بأزمة الوقود التى أجهزت على فرص الزراعة النيلية أو زراعة الآبار».
ويضيف: «عقب أسابيع من المعاناة، خسرت 100 فدان ماتت عطشا أمام عينى؛ نظرا لعدم قدرتى على تخزين الوقود، وتشغيل رشاشات الرى فيما بعض سكان الولاية يتضورون جوعا
ويضيف: «مزارعو السمسم والمحاصيل المطرية تضرروا أيضا جراء انعدام أساسيات الزراعة، وتضاؤل السيولة المادية وهروب كفاءات الإرشاد الزراعى إلى خارج البلاد».
وتنتظر السودان أزمة أمن غذائى حادة؛ إذ كان من المفترض أن يبدأ الموسم الزراعى الصيفى، لكنه تعطل جراء استمرار النزاع المسلح، إذ يعد تحضير الأراضى قبل هطول الأمطار شرطًا أساسيًا لموسم مثمر.
ويأتى ذلك وسط تحذيرات أممية، من أن أكثر 25 مليون سودانى، (أكثر من نصف عدد سكان)، باتوا بحاجة للمساعدة الفورية والحماية، وإلا سيصبحون عرضة لخطر المجاعة.
ولفت تقرير حديث صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «فاو» إلى أن «السودان، وجنوب السودان والصومال واليمن ونيجيريا ومالى وبوركينا فاسو، ومالاوى، وسوريا ولبنان، وأفغانستان وباكستان وميانمارو وجوانتيمالا، وهندوراس، وسلفادور» بؤر لخطر الموت جوعا فى الأشهر القليلة المحال لم يتم إسعافها بتدخلات عاجلة، مؤكدًا أن بعض المناطق مرشحة للتدهور المضطرد فى مستويات انعدام الأمن الغذائى، فى ظل الأوضاع العالمية الراهنة.
وأشار التقرير إلى أن السودان بات ضمن المناطق الساخنة التى ينتظرها تدهور كبير فى المستويات المرتفعة من انعدام الأمن الغذائى الحاد، ما يعرض الأرواح وسبل العيش للخطر، لافتًا إلى أن مواصلة القتال فى السودان يعرض الناس لخطر الانزلاق للمجاعة.
ودعت «فاو» إلى إلى تحرك عالمى عاجل، لاتخاذ إجراءات إنسانية فورية لإنقاذ الأرواح وسبل العيش لصد خطر الموت فى 18 بؤرة للجوع حول العالم، لافتا إلى أن تلك بؤر مرشحة لتدهور مضطرد فى مستوى الجوع المتفاقم بها من الأساس.
وأوضح التقرير أن الأشهر المقبلة ستدفع بعض سكان هذه المناطق الساخنة وعلى رأسها السودان لخطر الموت جوعا، كونهم يعانون حالة خطيرة من انعدام الأمن الغذائى، إلى جانب تفاقم عوامل من المتوقع أن تزيد من تفاقم أزمتهم. وشدد المدير العام للفاو، دونيو كو، على ضرورة التحرك نحو تدخلات فورية فى القطاع الزراعى «لإخراج الناس من حافة الجوع، ومساعدتهم على إعادة بناء حياتهم، وتقديم حلول طويلة الأمد لمعالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائى». وأكدت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمى سيدنى ماكين، ضرورة التحرك العاجل لكون الوضع أصبح «أسوأ من أى وقت مضى