بقلم :زين العابدين صالح عبد الرحمن
من أهم إشارات أنطونيو غرامشي في كتابه ( كراسات السجن) في تناوله إلي المثقفين التقليديين يقول عنهم ” هكذا تشكلت تاريخيا فئات متخصصة لممارسة الوظيفة الثقافية. و قد ارتبطت هذه الفئات في نشأتها بكل الجماعات الاجتماعية، و على الأخص بأهمها. و ارتبط تطورها الشامل و المعقد بالجماعة الاجتماعية المسيطرة. فأهم ما يميز أية جماعة تتجه إلي السيطرة، هو نضالها من أجل استيعاب المثقفين التقليديين، و إخضاعهم ( يديولوجيا) غير أن هذا يتحقق على نحو أسرع و أفعل إذا ما نجحت في نفس الوقت في إعداد مثقفيها العضويين”.
إذا حملنا الرؤية و عرضناها على المسرح السياسي و الثقافي في السودان نجدها مقولة مفارقة تماما، ربما للسودان وضعه المختلف، خاصة في تناول القضايا السياسية بمنظور غرامشي، أصبحت الفئة الغالبة هي المثقفين التقليديين، و غابت الفئات الأخرى و ذلك يعود لعدة أسباب الأزمة السياسية و عدم الاستقرار التى أدت إلي أزمة اقتصادية فقدت فيها الطبقة الوسطى هيبتها و وقارها، فضعف دورها الاستناري في المجتمع، فالواقع السياسي و الاجتماعي غير مساعد لظهور فئة المثقفين العضويين، فالكل خاضع لعملية الاستقطاب الحاد، و الاستقطاب الحاد أخطر سلبياته أنه لا يساعد على الإنتاج الفكري و المعرفي، لآن حالة الشوف فيه لا تتجاوز موقع القدم. و بالتالي يكتب لكي يبرر موقفه و ليس أن يصحح خطأ واقع.
أن أكبر كارثتين فعلتها الإنقاذ: الأولى تكوين ميليشيا الدعم السريع للقضاء على الحركات المسلحة في دارفور. الثاني تفاوضها مع الحركات المسلحة ليس لمعالجة جذور المشكلة كما كما تقول الحركات، بل استقطاب قياداتها بمنح الوظائف الدستورية، الأمر الذي أدى إلي أنشقاقات وسط الحركات وصلت لمرحلة أميبية في التشظي، أهملت فيه قضايا مواطني دارفور. و ظهر جليا في هذه الحرب حيث عجزت الحركات الدفاع عن آهلها في حرب التهجير و الإبادة. و تمسك البعض بموقعه في السلطة، و في نفس الوقت أعلنوا وقوفهم في الحياد. حياد في حرب الجيش و الميليشيا ممكن أن تجد له العذر، لكن كيف يكون الحياد في حماية المواطنين الذين تجلس بإسمهم في مقعد السلطة.، و من المفروض أن توفر لهم الأمن و المعاش.
قراءة الحرب و تطوراتها و تصريح القائد العام للجيش و نوابه، تؤكد أن الجيش لن يوقف الحرب حتى وضع حل للميليشيا، و عندما دخلت الميليشيا منازل المواطنين و سرقتها و الانتهاكات و الاغتصابات التي مارستها، كانت دافعا قويا أن يقف أغلبية الشعب مع الجيش، هذا التغيير لابد أن يؤدي لتغيير السياسات المطروحة، و هي الصورة التي لم يفطن لها المثقفين التقليدين و ظلوا في ثبات تكرر فيه ذات المقولات و استخدام مناهج التبرير، و البعض حمل كل ذلك علي ( الكيزان – و الفلول) و عندما تسأل إذا كان هؤلاء بهذه القوة المؤثر في التحدي و تمرير أجندتهم ما هو العمل؟ لا تجد غير الصمت…! هو ذات الصمت الذي كان عند القيادات السياسية عندما حدث انقلاب 25 أكتوبر حيث احتارت هذه القيادات تتمسك بالثلاث لاءات أم تكسرها و تخلق واقعا جديدا، و لكنها لم تفعل حتى جاءت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي ( مولي في) لكي تحسهم على كسر الاءات الثلاث، و تغضب الزملاء الذين أطلقوا الشعار، و لكنهم أيضا فشلوا في إدارة الأزمة، بسبب غياب المثقفين العضويين الذين كان يجب أن يكون دورهم تقديم النصح و المشورة. أما المثقفين الأخرين وقفوا في حالة من الاندهاش و قبضوا على مصطلح ( الكيزان و الفلول) حتى لا يوقعهم تحت طائلة الاتهام. هذه الفزاعة هي واحدة من الاسباب التي ادت إلي الخمول العقلي. نسال الله حسن البصيرة