بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن اللقاءات التي يجريها الأستاذ سعد الكابي في (لايفاته) مع عدد من القيادات السياسية، و آهل الرأي يأخذ بعضها الجانب الفكري و تصور لحل الأزمة، لذلك يجذب المتابع أن يكمل اللقاء حتى نهايته، و الجوانب الفكرية مسألة ضرورية في عملية التغيير، و ضرورية في الحالة السودانية بهدف خلق جدل يساعد على أختراق الأزمة. شاهدت اللقائين الذان كان قد أجراهما مع الدكتور إبراهيم البدوي القيادي بحزب الأمة و وزير المالية السابق، و الدكتور غازي صلاح الدين القيادي بحزب الإصلاح الآن. أهمية القاءان؛ أن الدكتورين قدما تصورهما لحل المشكلة السودانية، كل لقاء أخذ جوانب عديدة في المسار التاريخي للصراع السياسي و افرازاته، و هي رؤى يتفق عليها أو يختف معها لكنها تعزز من احترام الرآي و الرأي الأخر.
بدأ الدكتور البدوي حديثه بالثناء على الإمام الراحل الصادق المهدي باعتباره أحد المفكرين الذين قدموا اجتهادات و تصورات عديدة في الساحة السياسية و لكنها لم تنال الإهتمام الكاف الذي كان يمكن أن يجنب البلاد الانزلاق للحرب. لكن الإشكالية الأساسية التي لم يتعرض لها البدوي أن اجتهادات الإمام أول من أهملها عضوية و نخبة حزب الأمة، الذين لم يتناولوها لا نقدا و لا دراسة لكي تكون محور اهتمام الآخرين. و إهمال التعامل مع الإنتاج الفكري داخل الحزب يشير لدرجة الوعي السياسي في المنظومة الحزبية. قال البدوي أنه يجب إيجاد طريق لإقاف الحرب الدائرة الآن، لأنها سوف تدمر كل البنيات و الأصول الإقتصادية في البلاد. و قال “أن الحرب قد تجاوزت كل مخرجات ما قبل 15إبريل 2023م و يجب على قيادات الحرية و التغيير ( المركزي) أن يكون لها أفقا سياسيا واسعا يستوعب الذي حصل و قد أدى للحرب. و هذا تحتاج لدراسة نقدية حقيقة لتجاوز كل سلبيات و اخفاقات الماضي” لكن يظل السؤال كيف تستطيع أن تستوعب ما حدث و هي تستخدم المنهج التريري الذي يجعلها تفتش عن شماعات لتعليق الأخطاء عليها؟
ينتقل البدوي لنسق أخرى في القضية؛ و يقول ” أن التحالف العريض على مشروع سياسي أفضل من الذهاب لانتخابات تنتج حكومة إتلافية لآ تستطيع أن تنجز المهام الوطنية باعتبار أن البلاد تحتاج للكل في العمل من أجل تنمية البلاد.” لكن نسأل البدوي؛ أن التحالف كان قائما و هو الذي قاد البلاد إلي هذا الفشل و الحرب. و التحالف بين قوى مختلفة في مرجعياتها الفكرية لابد أن يقود لصراع. لكن إذا كانت الانتخابات البرلمانية سوف تؤدي إلي حكومات إتلافية، لماذا لا يعتمد دستور 2005م الذي كانت قد شاركت فيه كل القوى السياسية، و بموجبه يتم تحالفات تخوض عملية انتخابية لرئيس للجمهورية، و يكون وفق مشروع سياسي واضح و مفصل، حتى يتم الانتقال للشرعية الدستورية و تقلص نسبة الأحزاب الكثيرة في الساحة، المطلوب هو الخروج من دائرة الصراع في الفترة الانتقالية، و تحدث البدوي عن فكرة مشروع تنموي واسع ينطلق من الولايات أو المدن التي بها مقومات التنمية و سريعة الانتاج. حقيقة أن لقاء البدوي كان مليء بالافكار و المقترحات التي تخرج البلاد من أزمتها، و هي أفكار تحاج لحوار واسع. قال البدوي في نهاية حديثه يجب على الشعب السوداني أن يعرف الأسباب الحقيقية التي أدت للحرب، و من الذين تسببوا و شاركوا فيها.
في الجانب الأخر تحدث الدكتور غازي صلاح الدين في عدد من الموضوعات، لكنه بدأ بالسياسة التي كان قد اتبعها تحالف الحرية و التغيير، و قال أن كل المؤشرات كانت تشير إلي أن التحالف سوف يفشل في انجاز مهمته، باعتبار أن التحالف لم يكن له الرؤية لكيفية التعامل مع عملية التغيير، هو بدأ بذات القضايا التي كان يدينها في الإنقاذ، عملية الإقصاء و الذهاب للمحاصصات، حيث أنه لم يقدر حجم التحدي الذي سوف يواجهه من جراء عملية الإقصاء، و كانت قيادته تعتقد أنها سوف تفرض شروطها على الساحة الأمر الذي جعلها تواجه تحديا كبيرا، القضية الأخرى كان التحالف فاقدا للرؤية التي تستوعب قطاع واسع من القوى السياسية، و أيضا فقد لجان المقاومة الذين اشعلوا الثورة.
يقول غازي أن عملية التغيير و التحول الديمقراطي تحتاج إلي إنتاج أفكار مغايرة عن التي كانت موجودة في الساحة السياسية قبل الثورة، حتى تنقل الجماهير من واقع كانت تعيشه إلي واقع جديد تستطيع أن تسهم فيه بالأفكار و الإبداع. و قال الشارع كان جاهزا أن يقدم أفكاره و إبداعه لكنه قد وجد الأبواب تغلق أمامه. القضية الأخرى أثناء كل هذا الصراع و المتغيرات لم يكن هناك دراسة نقدية لمسار العملية السياسية و تحدياتها لذلك كانت قدرات القابضين على مجريات الأحداث أقل من التحديات. عندما سئل إذا كان الإسلاميين شكلوا تحدي للثورة؟ قال أن الإسلاميين ليس كتلة واحدة كل مجموعة عندها رؤيتها الخاصة و كانت معرفة منذ عام 2013م لكن فكرة السلطة و السعي لها جعلتهم يضعونهم جميعا في وعاء واحد، فكيف تريد أن تصارع كتلة أكبر منك ليس عددا و أيضا خبرة طويلة.
و قال غازي أن الإسلاميين سيظلون في الساحة السياسية مثلهم مثل الآخرين، و لكن الكل يحتاجون إلي إجراء مراجعات فكرية لكي يستطيعوا أن يعيشوا في وطن واحد و استقرار سياسي و اجتماعي. و يتأتي ذلك عبر الحوار الوطني، دون أي إقصاء، إذا كان بالفعل الكل راغب في عملية التحول الديمقراطي. و قال يجب ان يبتعد البعض عن الوصايا و تمثل دور الأستاذية. و قال الجيش باعتباره مؤسسة دولة يحتاج إلي إصلاح و تحديث و تنمية للقدرات و لكن بالحوار الهاديء و الجاد بعيدا عن الهتاف. و اشار إلي أن القضايا السودانية تحل داخل السودان و من خلال حوار سوداني سوداني و ليس باستدعاء الخارج و تقديم نصائح و حلول لا تخلو من الغرض. و قال أن الحرب يجب أن تجعل الكل أن يراجع أفكاره و رؤيته حتى توقع البلاد مرة أخرى حروب و نزاعات.
أن القيادات التي تخرج من دائرة الشعارات المغلقة إلي أفاق الأفكار و طرح الأسئلة بهدف إثارة حوار داخل المجتمع و أوساط النخبة و المثقفين بالضرورة سوف تخلق طريقا جديدا في التفكير، و مهما كانت الخلافات بين القوى السياسية أن الحوار يصبح الطريق الذي يخلق قاعدة جديدة للثقة بينها. و مهما أختلفت مع هؤلاء تستطيع أن تسمع لرؤاهم و تجادلهم بذات الأفكار. و تحية خاصة للأستاذ سعد الكابلي و إدارته للحوار بأفق واسع، و تنوعه في المقابلات الأمر الذي يمهد لخلق حوار بين التيارات الفكرية. و نسأل الله حسن البصيرة