رصد:(صحوة نيوز)
بعد تفكير عميق عادت آمنة محمود بذاكرتها إلى أكثر من 40 عاما عندما كانت في السادسة من عمرها وهي تساعد والدتها في تحضير الأدوات اللازمة لصناعة الجبن والزبدة والسمن ومنتجات الحليب الأخرى في منزلهم المتواضع في إحدى الضواحي الجنوبية في العاصمة السودانية الخرطوم.
وعلى الرغم من انقطاع ذلك العمل بوفاة والدتها قبل 35 عاما؛ إلا أن آمنة التي نزحت بعد اندلاع القتال في الخرطوم والى مدينة ود مدني بوسط البلاد استطاعت توظيف ذاكرتها القديمة لإيجاد مصدر دخل تغطي بها نفقات ابنائها الخمس والتي ارتفعت بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة.
ويواجه عشرات الآلاف من الموظفين والأطباء والمعلمين والعمال صعوبات بالغة في ظل عجز الدولة عن دفع أجور معظم العاملين.
ومنذ اندلاع القتال تمكنت فئات قليلة من العاملين بالدولة من صرف رواتب شهر أو شهرين من مجمل شهور الحرب الخمس، فيما لم يحصل معظم العاملين على أي راتب حتى الآن في ظل توقف عجلة العمل وشح النقد لدى بنك السودان المركزي، وسط تقارير عن خطط لطباعة أوراق نقدية في الخارج وهو أمر مكلف للغاية.
وإضافة إلى فقدان الوظائف ومصادر الدخل وصعوبة الحصول على الأجور تعاني الأسر النازحة أيضا من ارتفاع أسعار السلع وانعدام بعضها.
وفي يونيو حذر برنامج الأغذية العالمي من انزلاق 19 مليون شخص أي 40 في المئة من سكان السودان نحو دائرة الجوع؛ في وقت تتشكل فيه ملامح أزمة إنسانية غير مسبوقة بسبب التداعيات الكارثية الناجمة عن الحرب.
وقال المتحدث باسم المنظمة لموقع سكاي نيوز عربية إن معدلات الجوع ترتفع بشكل كبير في البلاد.
ومنذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل، تضاعفت أسعار بعض السلع الغذائية الرئيسية بأكثر من ثلاث مرات بسبب توقف سلاسل الإمداد وانخفاض قيمة الجنيه السوداني؛ حيث يجري حاليا تداول الدولار الواحد عند 880 جنيها.
ومن المتوقع ان تتضاعف معدلات التضخم الحالية التي تجاوزت 200 في المئة حسب تقديرات مستقلة.
ولجأ موظفون كبار ومثقفون ونجوم كوميديا وحملة شهادات عليا وطلاب جامعات وغيرهم إلى ممارسة أعمال يومية بسيطة لتوفير نفقات إعالة أسرهم التي نزحت عن بيوتها في الخرطوم للعيش في مدن أخرى بعيدة عن القتال في وسط وشمال البلاد؛ لكن تلك المدن تشهد ارتفاعا متزايدا في أسعار وتكاليف السكن والمواد الغذائية والعلاج.
ويعكس النجم الكوميدي وراق عمر المعروف بـ”حسن تسريحة” هذا الواقع في مقطع فيديو نشره على صفحته على فيسبوك ويعبر فيه عن اعتزازه بالعمل في محل حلويات شعبي صغير في إحدى القرى الواقعة في شمال السودان بعد أن اضطرته أهوال القتال إلى الفرار من منزله بصحبة أسرته.
ويقول عمر إن الحرب أضرت بحياة الكثير من السودانيين؛ مشيرا إلى ضرورة التأقلم مع الواقع الجديد والبحث عن أي عمل لتغطية احتياجات الأسر.
وفي الواقع؛ استطاع الكثير من النازحين ابتكار أعمال وانشطة اقتصادية ساعدتهم كثيرا في تغطية نفقاتهم اليومية.
ويشكل تأمين الدخل اللازم لمواجهة تكاليف المعيشة المرتفعة واحد من أكبر الهواجس التي تواجه ملايين السودانيين من أمثال آمنة الذين أجبرهم القتال المستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أكثر من 5 أشهر على الفرار إلى مدن داخلية ودول مجاورة؛ وهو ما دفع بالكثيرين إلى ابتكار مصادر إنتاج ذاتية تعينهم على تغطية نفقاتهم.
وتقول إحدى النازحات؛ وهي باحثة واستاذة جامعية لجأت بعد الحرب إلى ولاية النيل الأبيض الواقعة جنوب الخرطوم؛ إنها بدأت تعمل في مجال الزراعة وتمكنت خلال فترة قصيرة من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضروات من خلال استغلال المساحات المتاحة؛ كما تعمل أيضا في مجال إنتاج غاز الطبخ من مخلفات الماشية والمخلفات الزراعية المتوافرة بكثرة في المنطقة التي لجأت اليها.