بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن
هل القيادات الحالية لميليشيا الدعم السريع على استعداد أن تقدم مبادرة سياسية تبدأها بحل الميليشيا و تكوين حزب سياسي، و على ضوء هذا الفكرة تدعو إلي وقف الحرب و العمل من أجل أن تصبح الفكرة واقعا؟ إذا استطاعت أن تفعل ذلك تكون قد دفعت الحل إلي الأمام، لأنها سوف تنقل الجمود السياسي و عملية وقف الحرب إلي مربعات جديدة، و الفكرة تتطلب إرادة قوية و شجاعة تغيير بها المعادلة السياسية و الشعبية، خاصة أن فكرة الديمقراطية تحتاج إلي تغيير شامل في الخطاب السياسي الذي قاد البلاد لهذه الحرب اللعينة. أن القيادة السياسية الواعية ليس فقط أن تقدم شعارات في الشارع، ثم تتنظر تحقيق هذه الشعارات، و هي لا تملك أدوات تحقيقها. بل هي التي تقدم الفكرة التي تحدث صدمة حقيقية في الواقع. و تنقل الخطاب من مربع الانفعالات و التحديات إلي الحوار الإيجابي الذي يسمح للكل أن يتعاطوا معه.
إذا رجعنا تاريخينا كنت قد أشرت لذلك في مقالات قبل الحرب. عندما يستمع المرء لأحاديث مستشاري قائد ميليشيا الدعم حول قضية الديمقراطية، و دولة 56 و غيرها من المصطلحات السياسية، و التي أدخلت مؤخرا في خطاب قيادات الميليشيا، يتسأل لماذا لم تفكر هذه القيادات أن تحول الميليشيا لحزب سياسي؟ و معرف أن التجمع الذي يملك أموالا طائلة، و مؤسسات تجارية، يريد حمايتها لذلك يقع التفكير مباشرة في تكوين حزب سياسي، كان أفضل من فكرة الانحراف نحو الحرب لامتلاك كل السودان بدلا من المشاركة في السياسة من خلال مؤسساتها. بعد ثورة ديسمبر كنت متابعا لخطابات حميدتي السياسية و خاصة مع رجال الطرق الصوفية و الإدارة الأهلية، و كان الرجل ساعي إلي تكوين حاضنة اجتماعية له. و كتبت مقالا في 8 أغسطس 2022م بعنوان ” حميدتي رئيسا للسودان” اردت أن الفت نظر الرجل الي أفضل الأدوات التي تجعله سياسيا إذا كان بالفعل صادق في دعم عملية التحول الديمقراطي.
قال محمد حمدان دقلو ” حميدتي” قائد ميليشيا الدعم للقناة الفضائية ” BBC” (للأسف الشديد، نحن لم ننجح في التغيير، لأسباب لن أتحدث عنها الآن. عندما تفكر في التغيير يكون لديك هدف، ورؤية للتغيير. لكن للأسف الشديد لم يتم الشيء الذي كان مخططا له، وفشل الأمر. والآن سرنا نحو الأسوأ( صحيح أن اي تغيير في أي مجتمع يحتاج لرؤية، و فقدان الرؤية و الفكرة تجعل دعاة التغيير يتخبطون، لأن الفكرة بمثابة خارطة طريق و هي أيضا تحدد الأولويات و الأدوات المطلوبة للتغيير، و غياب الفكرة هل هو الذي قاد للفشل كما جاء على لسان حميدتي. أشرت في ذات المقال عن طموح حميدتي و قلت (أن طموح حميدتي لكي يكون رئيسا في المستقبل أو قائدا سياسيا، محكوم بالنشاط السياسي و الآليات التي يريد أن تحقق له هذا الطموح(. كان المتوقع من شخص يتحدث عن فكرة التغيير يجب أن يكون مدركا لطبيعة التحديات التي سوف تواجه التغيير. لذلك كنت قد أشرت إليه أن يكون حزبا سياسيا جديدا يخوض به الانتخابات، فالفكرة كانت غيرت طبيعة التحدي المحكوم بالمواجهة و العمل المسلح، لذلك جاء في المقال (تؤكد الفكرة أن حماية ثروة الدعم السريع تحتاج لتأسيس حزب سياسي يخوض من خلاله الانتخابات، التي يدخلها منفردا أو متحالفا مع قوى تقليدية.) و القوى التقليدية المشار إليها هي حزب الأمة القومي، باعتبار أن أغلبية منتسبي الدعم السريع مركزين في مناطق نفوذ حزب الأمة تاريخيا، و هي فرصة لم تفكر فيها مجموعات المثقفين الذين كانوا ملتفين حول ميليشيا الدعم، فالأفكار لها أثرا كبيرا في تغيير مسارات التوجه السياسي. إذا كانت الفكرة الديمقراطية تصبح تكوين حزب ينافس على السلطة عبر الطرق السلمية، أما إذا كانت الفكرة القبض علي مفاصل السلطة تصبح القوة و السلاح هما المرشحان لاستلام السلطة. أن كارزمة حميدتي في الميليشيا ما كانت تسمح بتقديم الأراء الجريئة، لآن فكرة الحزب و الديمقراطية سوف تخلق مراكز قوى داخل المؤسسة العسكرية التي كان يتحكم فيها وحده.
و في ذات الوضع كتبت أيضا مقالا يوم 30 يناير 2023م بعنوان ” حميدتي تأسيس حزب أم تبني حزب” جاء في المقال إذا يتطلع حميدتي لدور سياسي في المستقبل ( لا يصبح أمام الرجل غير التفكير في تأسيس حزب سياسي يسمح له بالدخول في العملية السياسية، و الاستعداد لخوض الانتخابات القادمة، أو أن يختار الانضمام لحزب سياسي من الأحزاب التاريخية يستطيع من خلاله أن يرشح نفسه و عددا كبيرا من المقربين له.) هذه الفكرة في ذلك الوقت لم تكن صائبة و الرجل كان يشغل الشخص الثاني في السلطة، و كان طموحه كبيرا لكن دون رؤية واضحة خاصة أن حميدتي كان قد بدأ يشتري الصحف التي كانت تعاني من مشاكل مالية. و أيضا شراء عدد من رجالات الإدارة الأهلية عندما وزع عليهم ” البكاسي دبل كبينة” كلها أن الرجل كان يريد أن يخلق له قاعدة اجتماعية كبيرة تؤهله أن يلعب دورا سياسيا في المستقبل.
الآن الكرة في ملعب القائمين على ميليشيا الدعم، أن دعوتهم للديمقراطية و النظر في دولة 56 و غيرها من الشعارات التي فقدت بريقها، لا تؤثر في مجرى السياسية و لا تجد آذان صاغية بعد ما فعلته الميليشيا في من ممارسات سالبة ضد المواطنين في الخرطوم و كردفان و دارفور. الأفضل أن تقدم مبادرة جريئة تنقل التفكير إلي مساحات جديدة يجد فيها أبناء الوطن أملا في استعادة السلام و الأمن. للتذكير أن تقدم الميليشيا فكرة حل المكون العسكري و تستبدله بمكون مدني سياسي يكون داعم بالفعل أن يفكر الكل لوقف الحرب. و الانتقال لمربعات حوارية جديدة دون وضع أي شروط معجزة. و نسأل الله حسن البصيرة.