بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن
حضرت اليوم الأثنين في الثالثة صباحا بتوقيت أستراليا، السابعة مساء الأحد بتوقيت السودان ندوتين متعاقبتين لقوى مدنية، و لكنها تمثل واجهات للحزب الشيوعي السوداني، رغم أن الندوتين قد تم الإعلان عنهما دون ذكر للحزب الشيوعي، إلا أن الأشخاص المتحدثين يمثلون رموزا للحزب. و كما هو معلوم لكل متابع سياسي أن الحزب الشيوعي لا يتعامل في السياسية فقط من خلال الحزب، و لكنه يحاول أن يصنع العديد من الواجهات التي يحدث بها أختراقا في المجتمع، و أيضا في المسرح السياسي، و هذا حق ديمقراطي للحزب أن يحدد الآليات التي يريد أن ينشر بها رؤيته، و أيضا تكوين أدوات إضافية للإستقطاب وسط الجماهير. لكن الحزب الشيوعي لا يقبل بهذا الحق للآخرين، عندما يتم توصيف تلك التنظيمات بأنها أدوات يستخدمها الحزب في تعامله مع الجماهير. أقامت منظمة “بنيان” ندوة بعنوان ” وجهات نظر و نقاط الاختلاف بين القوى السياسية و المدنية حول الحرب” تحدث فيها الأستاذ محمد عبد الله الدومة الذي كان يشغل رئيس لجنة محامي دارفور من قبل، و أيضا كان واليا لولاية غرب دارفور، و أدارت الندوة الدكتورة محاسن زين العابدين القيادية بالحزب الشيوعي، و كان من المفترض أن يتحدث فيها صالح محمود القيادي بالحزب الشيوعي و لكنه اعتذر للأسباب اجتماعية. أن وجهات النظر الواردة في العنوان كانت موجهة فقط لفاعلية الحرية و التغيير و بعض المجموعات المدنية في أديس أبابا.
أن الندوة تحدث فيها محمد عبد الله الدومة، لكنها كانت مسخرة لنقد الاجتماع الذي عقدته قحت مع بعض القوى المدنية في أديس أبابا من 23 إلي 26 أكتوبر 2023م، إلي جانب الصراع في دارفور… استهلت الندوة الدكتور محاسن بالقول أن الهدف من الندوة قيام جبهة عريضة لوقف الحرب. و قالت أن إستراتيجية الحرب مبنية على تدمير الثورة و شعاراتها. و مشروع البشير و زمرته و البرهان كانوا يقاومون الثورة و مشروعها. و أن مشروع منظمة بنيان الذي بدأ منذ قيام الثورة حريص على التلاحم الثوري الجماهيري و الحفاظ عليه. ثم طلبت من محمد عبد الله الدومة الإجابة على سؤال ماهية الصراع القبلي الدائر في دارفور؟ حيث أكد الدومة أن الذي يجري في دارفور ليس صراعا قبليا و لكنها حرب إبادة للمواطنين المقيمين هناك، و أن مسألة صراع قبلي توصيف غير صحيح.. و الذي حدث هناك لن ينسى أبدا لأنه قتل و تهجير و نهب و سرقة للمتلكات، و بالتالي لا اعتقد هناك فرصة للمصالحات لآن البيئة غير صالحة لذلك. و في سؤال عن دور لجان المقاومة في دارفور و مدى فاعليتها؟ قال الدومة اللجان ليس لها وجود و لا دور و يمكن أن يستغلوا من قبل الجنجويد.و قال أن الميليشيا و الفلول شيء واحد و الميليشيا هي نفسها صناعة من الفلول.
أنتقل الدومة ألي قضية أخرى هي تكوين جبهة مدنية عريضة في أديس أبابا.. قال أن تكوين أي جبهة عريضة دون مراعاة لمشاكل الولايات، و تمثيلها في هذه الجبهة، لا يجعلها تقوم بمهامها بالصورة المطلوبة. و أضاف قائلا أن الطريقة التي تسير بها المجموعة التي اجتمعت في أديس أبابا لا تؤدي للتغيير المطلوب. و كان من المتوقع تقييم تجربتها بصورة علمية سليمة لمعرفة الاخطاء التي أدت للفشل. و قال لا يمكن أن يكون هناك وقف للحرب إلا إذا شعر أحد المتقاتلين أنه هزم. و في تداخل للدكتورة محاسن قالت؛ أن قحت فارقت الميثاق السابق بعدم تحديدها من هو العدو الرئيس للثورة، و الذي يجب مناهضته. ثم تسألت ما هي الطريقة التي يمكن بها تكوين جبهة عريضة؟ واصلت حديثها أن الجبهة يجب أن يكون لها صلة بكل التنظيمات.. قال الدومة مقاطعا أن الطريقة التي كونت بها الحرية و التغيير الجبهة اعتمدت فيها على الأفراد و ليس المكونات الاجتماعية. قال الدومة؛ الغريب في الأمر أن الناس دائما تفكر في الاشخاص قبل التفكير في المباديء.. أن المباديء هي التي تجذب الناس، و خاصة القوى الفاعلة. كان في الندوة عدد من المداخلات؛ تركزت على القضايا الإدارية و الصراع في دارفور، إلي جانب الدعوة الي قيام جبهة عريضة تضم كل أصحاب المصلحة في السودان، و القول أيضا أن الاتفاق الذي جرى في أديس أباب الهدف منه هو إرجاع الناس إلي فترة ما قبل 15 إبريل. هذه كانت الإشارات التي تم التركيز عليها.
الندوة الأولى كانت عبارة عن تشريح للموقف السياسي الراهن، مع التركز على الاجتماع الذي كان قد عقد في أديس أبابا و الذي تكونت بموجبه تجمع القوى المدنية ” تقدم” و الندوة الثانية هي عبارة عن عرض لأوراق عمل من قبل تنظيمات مختلفة.. الندوة الثانية أقامها المركز الموحد لقوى الثورة السودانية بالخارج بعنوان ” رؤية الميثاق الثوري لإنهاء الحرب” تحدث فيها عدد من المتحدثين أبرزهم اسامة سعيد القيادي في الحزب الشيوعي و مهند مصطفي النور تجمع المهنيين السودانيين، و عميد م هاشم ابورنات، و اسامة عمر تجمع الأجسام المطلبية، و لواء م محمد عبد الله الصايغ و غيرهم.
كانت الندوة الثانية استعراض لعدد من الأوراق، و التي تشمل مواثيق لجان المقاومة، باعتبارها القوى الثورية التي يجب التركيز عليها، و أيضا ورقة حول إصلاح القوات المسلحة و الأمنية، و أخرى عن الإصلاح في جهاز الشرطة، الدعوة إلي محاسبة كل العسكريين و السياسيين الذين تسببوا في إندلاع الحرب. و الدعوة أيضا لإعلان المجلس الثوري بهدف انتزاع السلطة، و كان هناك نقدا للمبادرة الأمريكية السعودية باعتبارها محاولة لوضع الأجندة التي تحدد اتجاه السياسة في السودان من أجل تحقيق مصالحهم. الرفض الكامل لتكوين حكومة مستقلين أو تكنقراط.. بل يجب العمل من أجل تكوين حكومة ثورية تنجز أهداف الثورة.. الدعوة لعدم الاصطفاف بين القبائل من أجل الحرب.. و دعوة القوى المجتمعية أن لا تذهب نحو الاستنفار الذي كان قد أعلن عنه القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان.. إلي جانب الدعوة لمحاسبة كل العسكريين و السياسيين الذين كانوا وراء اشعال الحرب.
أن الحزب الشيوعي الذي ظل صامتا لفترة دون أن يطرح أي رؤية لوقف الحرب، أو الاستمرار فيها. قد وجد نفسه متأخرا دون الآخرين، خاصة أن قوى الحرية و التغيير المركزي تشكل له أرقا شديدا من خلال حركتها، و عقدها لاجتماعات في القاهرة و أخيارا في أديس أبابا، هذا الحراك السياسي دفعه أن يقيم ندوتين في يوم واحد، لعله يلحق بالقطار الذي تحرك دون أن يكون له فيه تأثير سلبا أو إيجابا.. أن الفعل السياسي الذي يؤسس على ردات الفعل دون ارتكاز على تحليلا موضوعيا، لا اعتقد سيكون مثمرا. نسأل الله حسن البصيرة.