ومسيرة الحياة فى بلادنا السودان لاتتوقف بصورة كلية ، لكنها تتعثر هنا وهناك بفعل عاديات الزمان والظروف القاسية التى تمر بالمجتمع حلوها ومرها ، فقد كانت حرب الخامس عشر من أبريل الماضى درسا بليغا لمجتمع ولاية الخرطوم وكردفان ودارفور التى تأثرت بدائرتها المرعبة ، فيما تأثرت الولايات الأخرى التى تقع فى دائرتها فهى كذلك نالت منها بفعل النزوح المتواصل من مواطنئ ولاية الخرطوم الذين غادروها بحثا عن الأمن والأمان فى تلك الولايات ، وبالطبع واجهتهم صعوبات جمة فى التأقلم مع الأوضاع التى لم يألفوها ولم يتعايشوا معها من قبل ، فحياة السكان فى الولايات تختلف عن حياة سكان الخرطوم ، فمن الواقع المعاش يعيش سكان الولايات ببساطة وراحة بال وطمأنينة يفقدها من يسكن فى الخرطوم ، فهنا الكل يجرى لتوفير معاش يومه حتى أيام الجمع والعطلات الرسمية لم تسلم من الجرى والبحث عن لقمة العيش ، فأغلب السكان يعتمدون على الأعمال الحرة ويعنى (رزق اليوم باليوم) ، فالأرزاق بيد الله تعالى (وفى السماء رزقكم وماتوعدون).
وفى ظروف الحرب الحالية ومغادرة الناس فى الخرطوم لأعمالهم ومساكنهم التى ألفوها وخبروا دروبها لسنوات عديدة وعرفوا كيف يحققون من خلالها إستقرارا نسبيا لأسرهم بتوفير المأوى والمأكل والمشرب والعلاج والتعليم وغيرها من ضروريات الحياة اللازمة لهم ، وهاهم بعيدون عنها كل البعد ، ويواجهون مصيرا مجهولا لم يستعدوا له ولم يضعوا له حسابهم ، لكن أغلبهم واجهوا تلك المتغيرات الإجتماعية والإقتصادية برباطة جأش إكتسبوها من خلال خبراتهم وتجاربهم السابقة التى عايشوها فى أوقات الشدة والرخاء ، فتفتقت أفكارهم ومبادراتهم العامة والخاصة لصالح المجتمعات التى حلوا ضيوفا عندها ، وعملوا على نشر معارفهم وتجاربهم وخبراتهم بين الناس ، لم يبخلوا بما منحهم الله تعالى من علوم وخبرات فى مختلف مجالات العلوم التى تساعد الناس من حولهم ، فكانوا شموعا أضات ظلام تلك الأيام ومهدت الطريق للآخرين بأن يحذوا حذوهم ، وتلك من نعم الله تعالى على العباد بأن تنتقل المعارف والعلوم بسهولة ويسر لأناس يحتاجونها ويتوقون الى إكتسابها لتعينهم فى مستقبل الحياة .
وكما قلت فإن الشباب بما لهم من طموحات وأحلام تراودهم ويسعون الى تحقيقها ، فهاهى الفرص تأتى إليهم مشرعة دون ضوضاء ولاصخب ، فخلال موسم الحصاد تتوفر محصولات ذات قيمة إقتصادية وعائد مادى يمكن أن يستغل فى تشغيل مشروعات إنتاجية صغيرة ، تساعد أصحاب الطموح من الشباب بوضع أرجلهم فى بداية سلم الأعمال الخاصة ، بعيدا عن الوظيفة ذات العائد المحدود ، فيمكن أن تشغل مشروعات إنتاجية لإنتاج الحبوب الزيتية من محاصيل السمسم والفول السودانى ، بدلا عن بيع المحصول فى الأسواق البعيدة ومن ثم شراء الزيوت النباتية بعائد بيعها ، وبالتأكيد ستكون الأسعار أعلى من المنتج المحلى ، وهناك تجارب ماثلة لإنتاج الزيوت وتعرف فى الريف بالعصارة التقليدية لإنتاج زيت السمسم والعصارة الحديثة لإنتاج زيت الفول ، وكل إنتاجها من زيتها يستهلك محليا ، وكذلك الأمباز حيث يستخدم كعلف للثروة الحيوانية ويساعد فى تسمينها وزيادة إنتاجية ألبانها وسمنها، وهذه ميزات تستحق أن يبادر المجتمع للاستفادة منها وتحفيز الشباب ليتنافسوا فيما بينهم فى ريادة مشروعاتهم الخاصة التى تضعهم فى دائرة الإنتاج الفعلية.