بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن طريقة التفكير التي صعدت الأزمة في البلاد، وأوصلتها للحرب؛ لا يمكن أن تكون صالحة أن توقف الحرب، وتسهم في عملية بناء السودان. ولابد من وجود عقلية جديدة لها رؤى تخالف ما كان سائدا في السابق، والفكر وحده هو الذي يقود إلي مسارات جديدة، ويخلق طريقة مغايرة للتفكير. أن طريقة التفكير السائدة لم تستطيع أن تنقل تفكير الناس لمربعات جديدة تتجاوز حدة الاستقطاب الحادثة في المجتمع. وهناك خلافا كبيرا بين عقلية المعارضة التي تريد تعبئة من أجل هدم نظام وتبحث عن ثورة جديدة، وعقلية بناء تحتاج لتعبيئة من أجل أن يطلق الكل طاقاتهم الإبداعية لتقديم رؤى لعملية البناء قابلة للحوار والتعديل والتغيير وفقا لمعطيات الواقع والأحداث الجارية.
معلوم أن صراع السلطة يعتبر صراعا دائما يعطل فاعلية العقل ويجمد الأفكار، لأنه صراع رغائبي تحكمه المصالح الضيقة، لذلك تكون فاعلية العقل في إنتاج الأفكار ضعيفة، والتفكير في عملية البناء والتحول الديمقراطية تتسع فيها فاعلية العقل؛ ويصبح المفكرون والمبدعون لهم الفاعلية في تقديم الأفكار والمبادرات والتصورات الإبداعية المفتوحة للكل والحوار مع الجميع. أن دعاة الديمقراطية يعرفون تماما أن الديمقراطية تؤسس على القيم الفاضلة وحوار الأفكار، والتي تقنع الكل أن يشاركوا في بناء بلدهم، ويريدون إصلاح للكل حتى تتوافق أفكارهم و قناعاتهم مع عملية التحول الديمقراطي و ليس دفعهم لكي يكونوا عائقا لها.
بدأت بعض النخب السودانية أن تقدم أراء جديدة و جدير أن يقف المرء عندها. يقول الدكتور الواثق كمير في حديث مسجل له، (أن النخب السياسية إذا ظلت تقف عند استلام السلطة فقط من العسكر و غيرهم، لن تساعد في حل المشكل بل تعمق الأزمة أكثر، و كان عليها أن تكون في مقدمة أجندتها قضية إعادة بناء الدولة ” أن البلاد في حاجة إلي إعادة النظر في هيكلية الدولة، ومخاطبة جذور المشكلة التي قادت للحروب والنزاعات التي حدثت في البلاد، و دت إلي عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد) أن إعادة بناء الدولة على أسس جديدة تحتاج لطريقة جديدة في التفكير، و في نفس الوقت تتجاوز كل شعارات الإقصاء والعزل… وفي مقابلة تلفزيونية مع الدكتور خالد التجاني (يذكر القوى السياسية أنها تحصر خطابها السياسي فقط في قضية السلطة وإصلاح المؤسسة العسكرية، وفي ذات الوقت تغض الطرف عن إصلاح المؤسسات السياسية التي لا تواكب شعار التحول الديمقراطي الذي ترفعه، لا يمكن أحزاب تغيب فيها الممارسة الديمقراطية قادرة أن تقود البلاد إلي الديمقراطية) أن طرح الأفكار الجديدة، وتقديم تصورات تخرج النخب من إعادة إنتاج عوامل تتسبب في إعادة الأزمة تستهلك طاقات الناس وإمكانيات البلاد في تجارب خاسرة. البلاد في حاجة لطرح أفكار جديدة تغير طريقة التفكير التي تسببت في الأزمة وقادت للحرب.
في ذات الموضوع نشرت جريدة الراكوبة يوم 7 نوفمبر 2023م خبرا سمته تصريحات جديدة للحزب الشيوعي جاء فيه (اكد الحزب الشيوعي السوداني، موقفه الرافض لإعادة إنتاج الأزمة وإدارة عقارب الساعة للوراء والنكوص عن مواقف الشعب التى تربط وقف الحرب باسترداد الثورة وتحقيق اهدافها (الأزمة هي قائمة وأدت للحرب، يصبح السؤال كيف الخروج من الحرب وما هي الرؤية لمستقبل العمل السياسي؟ كان من المفترض أن تكون محور تفكير الزملاء، طبعا الزملاء لا يستطيعون أن يتخلوا عن عادتهم في استلاف لسان الشعب والحديث بأسمه.. بالقول النكوص عن مواقف الشعب التي تربط وقف الحرب باسترداد الثورة وتحقيق أهدافها.. وأيضا السؤال كيف؟ ينتقل الخبر إلي نقطة أخرى يقول فيها (ليس فقط استعادة مسار الانتقال الديمقراطى الذى لازمته اخطأ جسيمة بدأت بالتوقيع على الوثيقة الدستورية المعيبة التى شرّعت شراكة العسكر واللجنة الأمنية فى السلطة وأبقت على المليشيات ووقعت اتفاق جوبا الذي عصف بالسلام وتفشت بسببه النزاعات وانتهت بحرب الخامس عشر من ابريل هذا المسار سيؤدى حال استعادته من قبل ذات الأطراف يؤدى فى احسن الأحوال إلى شراكة دم جديدة) هذه نقلة تتماشى مع رؤية المقال يجب أن تكون هناك طريقة جديدة للتفكير، تتجاوز سلبيات الماضي وأن تخضع كل الأراء للحوار دون أن يكون هناك تحالفا أو حزبا يردوا فرض شروطهم على البقية، بل كل يجب أن يقدم رؤيته وتخضع كل الأراء للحوار للوصول لتوافق حول مشروع سياسي واحد فهل يستطيع الزملاء التواضع وقبول أراء الآخرين؟.
قال الشيوعي تعليقا على اجتماعات الجبهة المدنية لايقاف الحرب (نحن مع مطاب شعبنا، بشعاره الواضح بأن الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل) ويضيف قائلا (فدون مواربة وإعادة نصوص إنشائية لابد من سلطة مدنية كاملة ومحاسبة طرفي الحرب سياسيا وجنائيا) وأقول أيضا دون مواربة أن الزملاء إذا لم يغيروا طريقة تفكيرهم والنزول من برجهم العالي ويتحاوروا مع الآخرين بندية، وعجزوا أن يشكلوا موقفا إيجابيا في عملية التحول الديمقراطي. ومحاولة استفزاز الآخرين بالقول إعادة نصوص إنشائية رغم أن تصريحهم إنشائي و لا يحمل أي جديد غير نقد غير مؤسس للآخرين. إذا نظرنا بتواضع نجد أن الكل موافق على عملية التحول الديمقراطي، و بناء جيش واحد مهني ،و لا وجود لأي مليشيات مستقبلا، هذه الأفكار رغم الاتفاق عليها من قبل الكل إلا أن البعض يحاول أن يستخدمها أداة فرقة و تباعد. ولا اعتقد أن الحزب الشيوعي أفضل من القوى السياسية الأخرى لكي يملي شروطه عليهم، ويريدها فقط أن تتبني رؤيته. هذا يعيق عملية الحوار. ويقول الزملاء في تصريحهم (نوه الشيوعي إلي أنه يسعى بكل إيمان عميق مع الجماهير إلي البدايات الصحيحة والناجحة لبناء أوسع جبهة جماهيرية لوقف الحرب واسترداد الثورة و تحقيق أهدافها) أيضا قوى الحرية و التغيير قد بدأت في تشكيل جبهة مدنية لماذا لا يتم التحاور معها في المخرجات والاتفاق على مشروع واحد. قبل الحرب أصر الزملاء على تكوين تحالف “الجذرية” و لم يجدوا أي قوى تتحالف معهم غير واجهاته التي درج على استخدامها في مناوراته مع القوى السياسية الأخرى، كان عليه أن يتعظ من التجربة. الحزب الشيوعي الآن يمر باكبر أزمة في تاريخه لذلك لا يستطيع قيادة أي تحالف لعملية التحول الديمقراطي.
أن إيجاد طريقة للتفكير تتجاوز الطريقة ألتي أدت للحرب وعمقت الأزمة مسألة في غاية الأهمية، وإذا ظلت العقليات التي صنعت الأزمة وحدها تحتكر التفكير، وتعتقد وحدها هي القادرة على إيجاد الحلول تصبح هي نفسها الأزمة التي يجب العمل من أجل تجاوزها. ونسأل الله حسن البصيرة.