زين العابدين صالح عبد الرحمن
كررت العديد من القيادات السياسية أن الصراع السياسي بعد 15 إبريل سوف يختلف كثيرا عن ما كان دائرا قبل هذا التاريخ؛ و أكرر أيضا أن الصراع السياسي أثناء وجود البعثة الأممية سوف يختلف بعد مغادرة البعثة. و سوف تتغير كل الأجندة بعد وقف الحرب، إلي جانب أن الحرب سوف تفرز قيادات جديدة. لكن السؤال هل كل هذا التغيير سوف يحدث واقعا جديدا على المسرح السياسي؟ أن التغيير على المسرح السياسي ليس مرتبطا بتغيير الشخصيات و فاعليتها، بل مرتبط بالأفكار التي يمكن أن تقدم من قبل القوى السياسية أو تبنيها إذا كانت مقدمة من مؤسسات أكاديمية أو مفكرين يستطيعوا أن يجترحوا رؤى جديدة مغايرة للتي أدت للفشل و الحرب.
أن البعثة الأممية قبل الحرب كان موجها إليها انتقادا بأنها لا تعطي للأراء المقدمة إليها أهتماما، مما جعلها تتلقى هجوما عنيفا من قبل بعض القوى السياسية، التي تعتقد أن البعثة لا ترى في الوجود غير مجموعة بعينها، و رغم أن البعثة قد ستمعت للعديد من القوى السياسية و المنظمات المدنية لكنها فشلت أن تكون على مسافة واحدة من كل المجموعات في الساحة السياسية. فهي حصرت تعاملاتها مع مجموعة بعينها إضافة إلي المكون العسكري ” الجيش و ميليشيا الدعم السريع” و حتى النشاطات التي كانت تقوم بها البعثة ليست مفتوحة لكل القوى السياسية، بل كانت مختصرة على ذات المجموعة و التابعين لها، حتى الورش التي اقيمت و الدعم المالي الذي قدم منها كان موجها إلي الإعلام و تأسيس صحف و دعم صحف كان لا يتم إلا من خلال موافقة هذه المجموعة. و الانتقاد للبعثة ليس كان من قبل عضوية النظام السابق وحده، بل حتى من قبل الإسلاميين بجميع أطيافهم، و من قحت الديمقراطي، و من قبل الحزب الشيوعي، و كل مجموعة من هؤلاء لها كانت لها أجندتها الخاصة، الأمر الذي عطل مشروع البعثة بالصورة المطلوب أن يكون عليها، و في النهاية وقع الشقاق بين العسكريين، و لم تستطيع البعثة أن تتدارك هذه المعضلة.
أن مهمة البعثة كانت مساعدة السودان لبناء دولة ديمقراطية مستقرة، و نهضة اقتصادية تدعم عملية التحول الديمقراطي، و الذي يتطلب دعم أكبر قاعدة أجتماعية له لكي تحدث توازن القوى في المجتمع، و كان على البعثة أن تخرج من دائرة المحاباة أن تجعل المؤسسات الأكاديمية تتولى مسألة انجاز عملية الورش المختلفة المطلوبة لعملية التحول الديمقراطي، و تجعلها هي التي ترسل الدعوات إلي الأحزاب و منظمات المجتمع المدني على أن يرسل كل حزب ممثلين فقط من أهل التخصص في الأجندة المطروحة للحوار، البلاد كانت في حاجة إلي حوارات متواصلة لكي تخلق ثقة بين المكونات السياسية، و كان على البعثة أيضا أن تدعم نشاطات سياسية حوارية في نوادي الأحياء في العاصمة و الأقاليم. فالبلاد كانت تعاني من ضعف الثقافة الديمقراطية، و مثل هذه النشاطات الحوارية التي تخلق ثقافة أحترام الرأي الأخر، هي التي تهيء البيئة الصالحة لعملية التحول الديمقراطي. لكن البعثة أرادت فقط أن تعجل بالانجازات، و بالتالي ركزت على مكون واحد و على الدائرين في محوره، هذا الخيار كان لابد أن يسمم الجو السياسي العام و يخلق تحدى للبعثة.
سوء تقدير البعثة خلق صراعا صفريا، كل لا يريد الأخر، و ذلك يعود لآن الكل كان يريد أن تسلم إليه السلطة و يديرها بالشكل الذي يخدم مصالحه الحزبية. صحيح عندما قدمت البعثة للبلاد كانت توجد حكومة و هي التي تخدم مطلوبات الحكومة، باعتبار أن رئيس الحكومة هو الذي طلب قدوم البعثة لمساعدة حكومته إنجاز عملية دعم عملية النهضة الاقتصادية و السياسية في البلاد، و لكن الصراعات التي حدثت في ظل الحكومة و الخلافات بين مكوناتها، و التي كان قد بينها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في خطابين أن هناك صراعات داخل المكونات السياسية و صراع داخل المكون العسكري و صراعات بين المكون العسكري و المدني، هذه كانت كفيلة أن تجعل البعثة تنتبه و تغير اسلوب عملها لكي يتناسب مع المعطيات الجديدة، كان رئيس الوزراء يؤكد أن البيئة غير صالحة، كان على البعثة أن تقرر أن تبدأ بإصلاح البيئة، و لكنها فشلت.
أن انقلاب 25أكتوبر و أطاح بالشراكة، و تبنت بعديه القوى السياسية شعار ” لا تفاوض و لا مشاركة و لا مساومة” هذه الاءات أغلقت منافذ الحوار و الحراك السياسي حيث أدى إلي حالة من الجمود السياسي، لذلك تدخلت بعض الدول ” الرباعية – الولايات المتحدة – بريطانيا – السعودية – الأمارات” التي ستطاعت أن تخترق الشعار، و أدارت حوارا بين ” الحرية المركزي و المكون العسكري” فأصبحت الرباعية هي التي تضع الأجندة، و هي التي ترسم معالم العمل السياسي بالطريقة التي تعزز فيها مصلحة هذه الدول، و ليس الهدف أن تصلح بيئة العمل السياسي في البلا. للأسف أن البعثة الأممية و التي يجب أن يقع عليها عبء العمل و تحديد الأجندة التي تخدم عملية التحول الديمقراطي و النهضة الاقتصادية، أصبحت البعثة تأتمر برؤية الرباعية، و تراهن على القوى التي أشارت إليها الرباعية، أي القوى التي كانت قد عقدت اجتماعا في بيت السفير السعودي، الأمر الذي البعثة لا تستطيع أن تخرج من الطريق الذي رسمته الرباعية. لذلك كان قيادت المركزي في حواراتهم في القنوات التلفزيونية، عندما تطرح عليهم قضية توسيع قاعدة المشاركة كانوا يقولون ” لا نريد إغراق العملية السياسية” و هي إشارة لاحتكارية السلطة.
أن قرار الأمم المتحدة عدم تمديد فترة البعثة التي سوف تنتهي في 4 نوفمبر 2024م، سوف يخلق واقع جديدا في العملية السياسية، هي خروج المؤثر الخارجي عن دائرة حوار القوى السياسية، فممثلي الاتحاد الأفريقي و الإيغاد كانوا يؤكدون مؤخرا فتح باب الحوار السياسي لمشاركة كل القوى السياسية. و ذهاب البعثة سوف يقلل فرص أي مجموعة أن تآول إليها السلطة دون الأخرين، فالكل يجب أن يغيروا طريقة تفكيرهم لمصلحة البلاد، أن يضعوا عملية السلام و الاستقرار و التحول الديمقراطية في أعلى الأجندة أن يكون الوطن و المواطن أولا. أن ذهاب البعثة؛ لا يعني أن العالم سوف يغلق أبواب مساعدته في وجه السودان مادام أبناء السودان قادرين على إدارة مؤسساتهم السياسية و الاقتصادية بإقتدار و أن ثروات البلاد محفزة لكل الدول الراغبة في الاستثمار. أن الحوار السوداني السوداني هو أفضل طريق للإصلاح و أن يتعود ابناء الوطن أن يحلوا خلافاتهم دون وجود الأجنبي. و للحقيقة و التاريخ هي المقولة التي يصر عليها الحزب الشيوعي إبعاد الأجنبي من قضايانا، لكن الزملاء يجب أن يخففوا شروطهم لكي يسير القطار. نسأل الله حسن البصيرة.