بقلم :زين العابدين صالح عبد الرحمن
من خلال تصاعد الأحداث في الساحة السودانية بسبب عدة عوامل منها: أولا عدم التمديد لبعثة الأمم المتحدة في السودان. الثاني خطابي الفريق أول عبد الفتاح البرهان القائد العام للجيش و رئيس مجلس السيادة في كل من القضارف و الجزيرة. ثالثا تعليق مفاوضات جدة لأجل غير مسمى. يجب أن تطرح هذه الأسئلة: هل هناك رابط بين الثلاث عوامل أم ليس بينها رابطا؟ هل قررت مكونات المجتمع الخارجي التي لها علاقة بالشأن السوداني رفع يدها؟ و للمرة الثالثة أكرر للمرة من الذي يصنع الحدث في السودان؟ الإجابة على الأسئلة سوف تحدد اتجاهات مستقبل أزمة السودان بكل جوانبها.
قبل الدخول في تحليل الموقف من خلال الإجابة على الأسئلة الثلاثة، أيضا أطرح سؤلا مهما هل زيارة البرهان لكل من القضارف و الجزيرة كانتا مبرمجتين قبل صدور قرار مجلس الأمن بعدم التمديد للبعثة الأممية، أم تمت البرمجة بعد صدور قرار مجلس الأمن؟ لمتابعة الأحداث، و قرأءة لعقلية القوى التي لها التأثير في صناعة الحدث، تؤكد أن الزيارتين قد تم برمجتيهما بعد صدور قرار مجلس الأمن، حتى يسمح للبرهان التعليق عليها إلي جانب توضيح رؤية الجيش في انعكاسات ذلك على الساحة السياسية. أن قرأة تسلسل الأحداث و محاولة و محاولة وضعها في قوالب كما يريد صانع الحدث، هو يعتمد في إدارته على الصراع، على عملية تعدد الأحداث في فترة زمنية ضيقة، الهدف منها تشتيت أنتباه الجانب الأخر و تشويش تفكيره، و يجد نفسه أمام أسئلة عديدة يحتار في ترتيبها، و بالتالي يظل يعلق على الأحداث و لا يملك القدرة على صناعتها، أو حتى تقديم رؤى للحل.
قال الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة و القائد العام للجيش السوداني في القضارف ( أن الجيش سوف يستمر في قتال ميليشيا الدعم السريع حتى القضاء عليها.) و في الفرقة الأولى مشاة بود مدني بولاية الجزيرة قال ( أي مفاوضات سلام لا تلبي رغبة الشعب السوداني لن تكون مقبولة. ولا حلول ستفرض علينا من الخارج) و أضاف البرهان قائلا (ذهبنا للتفاوض بقلب مفتوح لأجل التوصل لسلام عادل وشامل ودائم، ونقول لمن يتسولون في عواصم العالم ويدعون جلب الحلول بأن الحل فى الداخل وعليهم التفاوض مع الشعب السوداني الذي سيلفظ التمرد وكل من يتعاون معه) هنا البرهان لم يتحدث عن ميليشيا الدعم و لكنه قرن معها بعض القوى السياسية، و الإشارة لا اعتقد لقوى الحرية المركزي و لكنها موجهة إلي رئيس ” تقدم” الدكتور عبد الله حمدوك الذي يقوم بزيارات في عدد من الدول. لكن الإشارة نفسها تؤكد أن الجيش لن يوافق على إجراء أي مفاوضات سياسية خارج السودان.
بعد حديث البرهان في الجزيرة بساعات جاء تعليق مفاوضات جدة حيث جاء في الأخبار (قررت الوساطة السعودية الأميركية في منبر جدة الذي يستضيف مفاوضات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تعليق الجولة الى أجل غير مسمى، على أن يغادر الوفدان لإجراء مشاورات مع القيادة بعد اخفاق الأطراف في تنفيذ إجراءات بناء الثقة وانهاء الوجود العسكري في المدن الرئيسية.) أن حديث البرهان في الجزيرة و تعليق المفاوضات تؤكد أن الجيش كان على دراية كاملة بإن المفاوضات سوف تعلق لأجل غير مسمى، تطور الأحداث يؤكد أن الجيش يريد أن يحسم وجود الميليشيا في الخرطوم، و ينقل الأزمة إلي مربع جديد، و هذا ليس فقط خيار الجيش بل أصبح قناعة عند عدد من الدول الؤثرة في القرار الدولي.
أن حديث البرهان قد وضع القوى السياسية أمام تحدي، هو يعلم أن بعثة الأمم المتحدة كانت تشكل أداة ضغط على السلطة القائمة، و أن المنظمات الأخرى يمكن أن تنسق معها في تمرر ما تريده، و إنهاء عمل البعثة يجعل الدول الأوروبية و أمريكا سوف يتعاملوا كدول مع القضية السودانية، و هي أداة لا تشكل ضغطأ يجعل السلطة في السودان تطبق لهم الخيارات التي يريدونها. و من جانب أخر سوف تضعف دور المنظمات الإقليمية الأخرى التي تسعى لحل المشكلة السودانية. فهل القوى السياسية فطنت لذلك؟ أن الذي يصنع الحدث يحاول باستمرار أن ينقل الأزمة عبر صناعة الأحداث إلي مربعات جديدة يريد وحده يتحكم فيها، و هو يجد تأييدا من قطاع كبير من المواطنين الذين يستقبلون متحركات الجيش في كل مكان.
أن القوى السياسية هل سوف تستجيب إلي شرط البرهان بالقول (أن الذين يريدون جلب الحلول من الخارج أقول لهم أن الحل يجب أن يكون داخل السودان) أم إنها سوف ترفض هذا الشرط و تسعى في عملية اقناع العواصم الأخرى بفكرة حوار مشروط على القوى السياسية خارج السودان؟ أن القوى السياسية إذا فشلت في إقناع الشارع السوداني برؤيتها سوف تظل مدة طويلة خارج السودان فقط تقدم بيانات لا تترك أثرا قويا على الشارع. أن الأزمة أصبحت مرتبطة أكثر بقناعة الشارع السوداني لأنه وحده الذي يستطيع تغيير ميزان القوى، هذا لا يتأتي إلا بعمل في الداخل.
أن العقل السياسي السوداني في حاجة أن يفكر خارج الصندوق، و لا يعيد تجارب الماضي بذات مراحلها السابقة، لأنها لا تقدم غير نتائج الفشل السابقة. مشكلة القوى السياسية أنها تتمحمور في ذات خطابها السياسي، و الذي عجزت أن تغيره لكي يكون جاذبا لأعداد كبيرة من الشعب السوداني، أو يفتح حوارات جادة بين القوى السياسية، و بدلا أن يكون الخطاب مطولا و تتعدد فقراته أن يركز على عملية إحلال السلام و الاستقرار السياسي و الاجتماعي، و تهيئة البيئة لانتخابات عامة يكون الشعب صاحب الكلمة فيها. لكن كتابة الخطاب في ورق سلفان لا يحدث تغييرا. أن الداعم الخارجي قد ضعف تماما، و هناك قبولا غير معلن أن تغيب الميليشيا من المشهدين العسكري و السياسي، و إلا كانت الدول صاحبة القرار في مجلس الأمن رفضت طلب الحكومة السودانية بإنهاء خدمات البعثة. أن الدول الأوروبية و أمريكا كل فترة تظهر لهم تحديات جديدة في مناطق يعتقدونها ملك لنفوذهم وحدهم. أن إعمال العقل مسألة ضرورية و الحكمة مطلوبة إذا كان الهدف الوطن و المواطن، أما إذا كان الهدف مصالح أخرى يقول المثل ” أن صاحب الحاجة أرعن” و نسأل الله حسن البصيرة.