مآلات الصراع و تحولاته من النخب إلي الشعب

بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن
عندما نشرت سكرتارية الإيغاد بيان قمة جيبوتي، أصدرت وزارة الخارجية السودانية بيانا تستنكر فيه صدور بيان سكرتارية الإيغاد، و تقول أن هناك فقرات اقحمت في المسودة دون مسوغ، و أخذ فقرة واحدة فقط من رد وزارة الخارجية ” الفقرة ت” تصحيح ما ورد بشأن موافقة السيد رئيس مجلس السيادة الانتقالي على لقاء قائد التمرد. إذ أن السيد الرئيس اشترط لعقد مثل هذا اللقاء إقرار وقف دائم لإطلاق النار، و خروج قوات التمرد من العاصمة و تجميعها في مناطق خارجها. أن بيان وزارة الخارجية يشرط لقاء رئيس مجلس السيادة بقائد الميليشيا بعد خروج عناصر الميليشيا من منازل الناس، و أيضا المرافق العامة للدولة، لكن رئيس مجلس السيادة و القائد العام في كلمته الأخيرة في منطقة البحر الأحمر العسكرية قال (أنه سوف يذهب للتفاوض لأنه قبل التفاوض مع قائد الميليشيا و لكنه سوف لن يوقع على أي اتفاق يضر السودان أو الجيش) الغريب أن رئيس مجلس السيادة ذاهب للقاء دون استيفاء الشروط التي كان قد ذكرها بيان وزارة الخارجية ردا على بيان سكرتارية الإيغاد. السؤال أن الخطابات و البيانات الصادرة تؤكد ليس هناك أي تنسيق بين المؤسسات و دلالة أن البرهان ذاهب إلي التفاوض دون مراعاة للشروط التي كانت قد أشار إليها بيان وزارة الخارجية؟

أن خطاب رئيس مجلس السيادة في منطقة البحر الأحمر العسكرية؛ جاء لكي يجيب على العديد من الأسئلة التي كانت تدور عند قطاع واسع من الشعب بالدخول السهل دون مقاومة للميليشيا لمنطقة الجزيرة و عاصمتها ” ود مدني” في الوقت الذي يستعد فيه رئيس مجلس السيادة للقاء قائد الميليشيا.. و معلوم بعيدا عن أي تبريرات، أن دخول الميليشيا عسكريا للجزيرة سوف تقوي كروت ضغط الميليشيا.. في الوقت الذي كان يجب أن تقلص فيه كروت ضغطها.. و هذه مسألة محيرة جدا، فكيف تتسق مع عدم توقيع أي اتفاق يضر بالسودان و بالجيش.. تصبح الأسئلة: من الذي يحدد أن الاتفاق يضر أو لا يضر في ظل المتغيرات غير المبررة التي تحدث على الأرض؟ ألا يعتقد القائد العام للجيش أن حالة الإرباك في الشارع التي أحدثتها دخول الميليشيا للجزيرة أن معالجتها تتطلب الأولوية؟ أن حالة الاستنفار الشعبي التي بدأت تنتظم في أغلبية الولايات تتطلب التأييد من قبل القائد؟ أن الإجابة على الأسئلة هي التي تخلق الطمأنينة عند الشعب الذي أعلن تأييده للجيش. و كان المتوقع من قيادة الجيش أن تؤجل اللقاء لما بعد طرد الميليشيا من مناطق الجزيرة حتى لا يصبح هناك رابطا بين اللقاء و الدخول السهل للميليشيا في الجزيرة. أن إعادة العلاقة و اللحمة التي تربط بين الشعب و الجيش، أن لا تقف قيادة الجيش في وجه عملية الاستنفار الشعبي للتلسيح ضد هجمات الميليشيا على قراهم و مدنهم و تسرع بتسليحهم. لكي يبدأ تخلق وعيا جديدا في المجتمع.

أن المتغيرات المستمرة التي تحدثها الحركة العسكرية للميليشيا بدخولها عدد من المدن و القرى، سوف تحدث تغييرا كبيرا في قناعات الشارع على مجريات الحرب. أن سكان العاصمة المثلثة عندما خرجوا من منازلهم كان الهدف إعطاء فرصة للجيش كي يحسم الحرب و يهزم الميليشيا، و لكن دخولها الجزيرة يعني أن هؤلاء سوف يكونوا في حالة مستمرة من النزوح من منطقة إلي أخرى، الأمر الذي فرض تفكيرا مغايرا في الشارع. هذا التفكير المغاير مؤسس على أن يحمل الشارع السلاح دفاعا عن مناطقه، و عن عرضه و ممتلكاته، هذا التغيير سوف يخلق واقعا سياسيا جديدا، لأنه يستدعي قيادات شبابية جديدة تفرزها عملية المواجهة ضد المخططات الخارجية الهادفة إلي توطين عرب الشتات في السودان، و احداث تغييرا ديمغرافية في العاصمة و كل الولايات الأخرى و عواصمها، و هي عملية استعمارية جديدة تواجه البلاد، أن استنفار الشباب ليكونوا جزءا من عملية التصدي بالسلاح لمخططات الميليشيا و الدول الداعمة لها، سوف تتخلق حالة من الوعي الوطني الجديد تتقدم فيه التضحيات و الوطن على المصالح الحزبية و الشخصية الضيقة، و يستدعي تغييرا ثقافيا مصاحبا.

أن عمق الأزمة السياسية التي أفضت إلي الحرب، لابد أن تخلق أهدافا أجتماعية جديدة مسنودة بقطاع واسع من الشباب الذين حملوا السلاح في وجه المخططات المتأمرة على البلاد. هناك من يقول أن حالة الحشد الشعبي سوف تكون بداية لحرب أهلية، و هذا يعد قصورا مفاهيميا عند النخب التي تقول ذلك، حيث درجت النخب تلوي عنق الحقائق بهدف خدمة مصالحها الضيقة. أن حركات التحرر من الاستعمار في القرن العشرين كانت قد طرحت الكفاح المسلح، و اعتبرته أرقى أنواع النضال، لأنه يرتبط بالوعي السياسي و الاجتماعي، و الآن عودة الشباب في ولايات السودان لفكرة الكفاح المسلح للوقوف ضد مخططات التأمر الخارجي، و غزو عرب الشتات للبلاد و اتباعهم من مرتادي الإجرام و السرقة و الاغتصابات أصبح ضرورة. لآن الكفاح المسلح ليس موجها ضد أي مكون أثني في السودان، بل يجب أن يشارك فيه كل أبناء الوطن في كل الأقاليم المختلفة، بهدف إحداث تغييرا جوهريا في البلاد.

أن استنفار الشباب سيكون محكوما بإمرة الجيش و داعما له، و مهمتهم حفظ قراهم و نجوعهم و مدنهم من هؤلاء المرتزق الذين ليس لهم قيم و اخلاقية، أو حتى وازعا دينيا، أن الاستنفار سوف يعجل بعودة الناس إلي منازلهم و مناطقهم في الخرطوم و مدني و كردفان و كل أقليم درافور، هي دعوة لعودة الحياة مرة أخرى إلي السودان، و لكن برؤى و معايير جديدة و مغايرة للتي افضت للأزمة و الحرب في البلاد. و يصبح الحوار الوطني هو الأداة للتفاهم و الاتفاق و ليس فرض الرأى على الآخرين، و الحوار هو الطريق لصناعة الدستور و تأسيس مؤسسات الدولة الديمقراطية و قيام الانتخابات. ان بروز الشباب مرة أخرى على المسرح السياسي عبر الكفاح المسلح ضد مخططات التأمر على الدولة و المرتزقة و مرتكبي الجرائم و السرقات سوف يغطى على النخب، لأن القرار سوف يتحول من ضيق النخب إلي اتساع الشارع الواعي لدوره و مستوعب مطالب و أمال الجماهير. أن حمل السلاح من قبل الشباب بداية لوعي جديد و سودان أمنا مستقرا.. نسأل الله حسن البصيرة

الصراعمآلات