بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن
تعتبر بداية الحرب في السودان في 15إبريل 2023م هي مرحلة جديدة في الساحة السياسية السودانية، و الحرب لها أفرازاتها السالبة و أيضا الموجبة. الإفرازات السالبة معروفة للكل هو ما يحدث الآن في السودان من تدمير لبنية الدولة، و ممتلكات المواطنين و تشريدهم، و الموجبة أنها سوف تخلق واقعا سياسيا مغايرا عن الذي كان قبل الحرب. و هذه ليست قاصرة على الحالة السودانية، بل تاريخ الحروب و الثورات في العالم يقول ذلك. بعد سقوط الاتحاد السوفيتي و اشتد الصراع بين يلسن و قيادات الحزب الشيوعي برز الرئيس الروسي الحالي فلادمير بوتين كمعادلة جديدة في المشهد. ركز بوتين على فكرة نهضة القومية الروسية التي جذب بها قطاع واسع من الطبقة الوسطى، و استطاع أن يعيد لروسيا مكانته في العالم كقوى عظمة. و برز بول كاغامه كزعيم وطني بعد الحرب الأهلية في رواندا و يحقق لها الاستقرار السياسي و النهضة..
أن فكرة المقاومة الشعبية؛ و التي بدأت بالدعوة من أجل “الاستنفار ” الشعبي نبعت من الجماهير، و التي تتعرض يوميا إلي عمليات النهب و السرقة و القتل في القرى و النجوع و الأرياف و خاصة في الجزيرة من قبل الميليشيا. و هي المناطق التي لا يوجد بها معسكرات للجيش، أن طواف الميليشيا في تلك القوى من أجل السرقة و النهب، جعل الجماهير في المناطق التي لم تدخلها الميليشيا تستنفر نفسها بهدف حماية مناطقهم و أنفسهم.. و أتضح أن الجيش ليس له العداد الكبيرة التي يستطيع بها حماية منازل المواطنين و القوى النائية. فجاءت فكرة المقاومة الشعبية ك “حل” يحمي المواطن و منزله، و إيضا تحمي المناطق نفسها بعد تدريب عناصر من المنطقة.. الفكرة خلقت جدلا واسعا بين مؤيد و رافض، لكن كثرة الداعمين للفكرة هي التي جعلت القائد العام للجيش يوافق عليها من خلال كلمته في معهد التدريب في جبيت، و وافق أن يمدها بالسلاح على أن تكون تحت رقابة الجيش. و أيضا الفكرة خلقت هلعا للميليشيا. عندما عقد حميدتي مؤتمرا صحفيا مع حمدوك في أديس أبابا قال أن قواته تحتل الخرطوم و الجزيرة و ولايات دارفور. و بعد بروز المقاومة كعامل جديد في المعادلة.. قال حميدتي أن الذين دخلوا الجزيرة و مارسوا النهب هؤلاء ” فزع و كسيبة” يمكن أن يحاربوا الميليشيا نفسها، و هي تعتبر محاولة لتبرئة الميليشيا. مما يدل أن المقاومة الشعبية أصبحت أهم عامل في الساحة السياسية.
أن الشباب الذين حملوا السلاح حماية لقراهم ،هم أنفسهم الذين يشرفون الآن على الطرق لسلامة المسافرين و لنصرة الملهوف ،و عابر السبيل الذي يحتاج إلي ماء و تمرات يطفيء بها وجع الجوع، و أصبح التلاحم الشعبي كبير. و بدأت الاتصالات بين قيادات المقاومة الشعبية في الولايات الأخرى، بهدف عمل تنسيقي بينها، لخدمة مناطقهم و توفير الغذاء و الماء و الأمن، و و القبض على مرتكبي الجرائم و السرقة و تسليمهم لأجهزة الأمن، هذا العمل المنظم هو الذي سوف يشكل السودان الجديد، و أيضا هو الذي يمهد لبروز قيادات جديدة في مناطقها. و ليس ببعيد الذي حدث في جنوب كردفان حيث ثارت عناصر المقاومة الشعبية من أبناء المسيرية على نظارة القبيلة، و التي كانت قد أعلنت تأييدها لميليشيا الدعم، أن قيادة المقاومة الشعبية حتما سوف تعزل القيادة السابقة بعد المواجهة التي تمت بينهم، و سوف تأتي بقيادات جديدة مؤمنة بخط المقاومة الشعبية، هذه التحولات ما كانت سوف تحدث لولا فكرة المقاومة الشعبية الوطنية. و أيضا الذي حدث في الدلنج للتصدي للميليشيا التي دخلت الدلنج حيث كانت قوى شعبية كبيرة دعمت من قبل الجيش و عناصر من الحركة الشعبية هي التي تصدت للميليشيا و أخرجتها من المنطقة و هي تلملم وراء أثواب الهزيمة. حقيقة منذ أن بدأت الحرب في 15 إبريل 2023م أن أبناء النوبة يؤكدون أنهم يمثلون أحد أعمدة الوطنية الراسخة في البلاد، و هؤلاء أيضا من خلال الاستنفار سوف تبرز منهم قيادات جديدة تسهم في بناء السودان الجديد.
أن قيادات المناطق للمقاومة الشعبية سوف يعقدون أجتماعهم الأول الأسبوع القادم في العاصمة الأريترية أسمرا، اجتماع لا يضم أي عناصر سياسية من القوى السياسية ذات اليافطات القديمة، هذه عناصر جديدة برزت من رحم المعاناة الشعبية و الذين فضلوا البقاء مع المواطنين في القرى و النجوع. و سوف يبحث الاجتماع تنظيم الشباب و المواطنين لكي يساعدوا في تقديم الخدمات المطلوبة في مناطقهم، و أيضا عمل نفرة منها إصلاح المدارس و المراكز الصحية و محطات المياه و الكهرباء، و توفير الغذاء و الأمن و نظافة الأحياء، العمل من أجل إعادة الحياة في البلاد، و أيضا هي قيادات لا تقبل بأي تدخلات سياسية خارجية في الشأن السوداني. و يجيء الاجتماع بعنوان ” دعم الخطى الشعبية من أجل التنمية و النهضة ” من خلال هذه الأعمال الجليلة سوف تصبح القيادات الجديدة هي النواة التي تشكل ملامح السودان القادم. قيادات تكون قد صنعت من رحم المعاناة، و مكتوب في أجندتها السودان أولا و ثانيا و ثالثا. نسأل الله حسن البصيرة.