بقلم: كامل عبدالله كامل
يظل إستدارة حاجباها كما إلتفاف قوس قزح حول خاصرة الأفق، تدس حُلُوك الليل بين خصلاتها المتطايرة بفعل النسائم التي تعبث بها كما تعبث الأحلام المتهورة بخيال مراهق نزق.
إختار الجمال منها ما يشتهيه ليصبح معروفاً بها ومقروناً بمرورها ساعة إشراقها في الطرقات، تشتهيها نظرات الغادين على إختلافهم.
بدت “سلاف” في أوانها ذاك خفيفة كطيف أمنيات عابرة، صبية ترتاد أولى عتبات مراهقتها عندما إلتقت “مجيد” الذي وفد حديثاً لذلك الحي العريق في المدينة التاريخية.
فعلت النظرات فعلها وكان أن إلتقيا على وعد أكيد ألا يفترقان، لكن وطأة الايام بعدها جعلت وعدهما يتآكل دون طارئ يبلغهما ما كانا يتمنيان.
رحلت “سلاف” فجأة بعد زواجها العجول صوب المدن التي لا تعرف ولا تعترف بالدفئ، رحلت حتى دون علم “مجيد”.
إكتفت فقط برسالة دستها له كما كانت تدس له الرسائل دائماً، أسفل إطار بالٍ يعود لشاحنة غابرة ومغروس حتى منتصفه بجوار باب المنزل الذي دائماً ما كان يعبر منه “مجيد”.
تفقّد يومها الرسالة التي خنقت عباراتها أمنياته بمخالب غصة كادت تزهق روحه، لم يعد بعدها كما كان مزهواً بوجودها في أيامه، أصبح خاوياً من كل حنين ويائساً من كل حياة.
كانت وهي هناك في ذات المدن التي تعاقر البرد وتلتمس الدفئ المفقود، تنتظر مرور طيفه في حلم عابر يمنح ليالي الشتاء بعض الإلفة.
وتتلهفه كلهفة الأمواج الهادرة للشواطئ القصيّة، أوكلحن طروب علق بقوس كمنجة منسية.
رحل بعدها “مجيد” إلى كل الأماكن التي لا توجد فيها “سلاف”، هرب من ذات الحنين والذكريات، أشعل فيه رحيلها اللهفة نحو الأخريات.
ظل يهرب من ملامح وجهها إليهنّ، آملاً أن يجدها هناك لكنها أوصدت في هروبه حتى طيف خيالها في ملامح الأخريات.
إنتظرته “سلاف” عند كل الشواطئ حتى ملّها الإنتظار فعادت لذات العاصمة المسلحة والتي تستبيحها التاتشرات، عادت تبحث عنه بذات رسمه القديم ووسمه الذي تعرف.
ذهبت لذات المكان عند المركب الراسي على النيل حينما كانت تلتقيه، وجدته فقط بقايا هيكل من خشب متآكل.
عبرت ناحية الكافتريا في الشارع المقابل وجلست على إحدى الطاولات وسحبت المنيو النائم إلى جوارها.
أخرجت من حقيبتها إحدى خطاباته الصفراء والتي غرس فيها يوماً كل أشواقه إليها، قرأته مرات وكرّات ثم أعادت الخطاب لذات الظرف المعنون بخطه الأنيق.
طفرت منها دمعتان وتجرّعت بعضٌ من لعاب مر، تذكرت حينها أنه كان ممن قُذِفوا إلي النيل من بعد أن شَدّوا الوثاق.
وأُلقُوا في جوفه بإحكام.. كان “مجيد” أحد ضحايا فض الإعتصام.
رحلت “سلاف” وما زال النهر يلتهم بقايا الضوء المتناثرة في أرجاء المكان..