متابعة:(صحوة نيوز)
عندما سقطت أولى القنابل على الخرطوم، ترك أمجد وفاطمة ومازن ألوانهم وآلاتهم للبحث عن مأوى آمن في المنفى… اليوم، يعيد السودانيون الثلاثة في القاهرة حيث استقروا إحياء بعض من أنشطتهم الفنية التي اعتادوا عليها في العاصمة السودانية.
على بعد بضع خطوات من ميدان التحرير الشهير في العاصمة المصرية، تنبعث نغمات سودانية. هنا، يستمتع قرابة مئة سوداني بحفلة موسيقية ومعرض للفن التشكيلي بعيدا من الحرب التي تدور رحاها منذ (9) أشهر في الخرطوم.
يتمايل الجمهور على موسيقى مازن حامد، وهو موسيقي ومنتج شاب في الحادية والثلاثين من عمره، مشهور في بلاده ويعمل على تحديث التراث السوداني.
وتقول (أ ف ب): عندما اندلعت الحرب في 15 أبريل، خرج حامد للذهاب إلى عمله كالمعتاد، بعدما عايش خلال السنوات الأربع السابقة أحداثا سياسة كبيرة بدأت بـ”الثورة” ثم الإنقلاب والقمع الدامي لأنصار الديموقراطية.
وكان عليه أن ينهي الموسيقى التصويرية لـ”وداعاً جوليا”، أول فيلم سوداني روائي طويل يُعرض في المسابقة الرسمية في مهرجان كان ويحصل على جائزة.
وكان يضع اللمسات الأخيرة، واعتقدَ أنه سيمضي بضع ساعات في الاستوديو حيث كان يسجل عمله، ريثما تهدأ النفوس. لكن الجنرالين اللذين بدآ الحرب في ذلك اليوم ما زالا يتقاتلان حتى الآن.
وأسفر النزاع عن مقتل أكثر من 13 ألف مدني حتى الآن، وفق منظمة أكلد المتخصصة في إحصاء ضحايا النزاعات. غير أن جهات كثيرة تؤكد أن الحصيلة الفعلية للضحايا أعلى بكثير.
الحرب التي بدأت في العاصمة السودانية، امتدت إلى اقليم دارفور في الغرب ثم إلى ولاية الجزيرة حيث سيطرت أخيراً قوات الدعم السريع التي يتزعمها محمد حمدان حميدتي على مدينة ود مدني بعد أن انتزعتها من الجيش السوداني الذي يقوده الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
وأدت الحرب إلى نزوح 7,1 مليون شخص، وفق ما أعلنت الأمم المتحدة معتبرة أنها “أكبر أزمة نزوح في العالم”، فيما حذرت المنظمة الدولية للهجرة من أن ما يشهده السودان “مأساة إنسانية ذات أبعاد هائلة، ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الرهيبة في الأساس”.
من خلف الجدران العازلة للاستوديو الخاص به، لم يسمع حامد إلا بضع طلقات نارية هنا وهناك. ولكن عندما سمع أصوات “الطائرات الحربية”، أدرك، بحسب ما روى لوكالة فرانس برس، أن “الأمر خطير”.
ولذلك، قرر الفرار شأنه في ذلك شأن آخرين كثيرين، “من دون أن يحمل معه آلاته أو معداته لكي لا يلفت الانتباه عند نقاط التفتيش” التي أقامتها قوات الجيش وقوات الدعم السريع في مناطق مختلفة.
وقد ظلت فاطمة إسماعيل من جانبها حبيسة شقتها “في صمت خوفا من قوات الدعم السريع” الذين كانوا يتمركزون “أسفل المنزل”.
هذه الرسامة التي تعرض اليوم لوحاتها في القاهرة، تشير إلى أنها اختبأت لأن معلومات كانت انتشرت في الخرطوم عن حالات اغتصاب على يد عناصر من قوات الدعم السريع التي تدربت على الحرب خلال النزاع في دارفور في العقد الأول من القرن الحالي.
وتقول فاطمة (26 عاما) “لو أنهم عرفوا بوجود شابات في البناية، لكان الأمر رهيبا”.
وتمكنت من الفرار مع أسرتها عندما استقلّوا، أول حافلة رأوها في مدينة خاوية ومدمرة.
قبل أن ترحل، رسمت فاطمة بدقة تفاصيل الحياة داخل منزلها “والدتي التي كانت تطبخ ووالدي كان يتلو القرآن”، لتسجل ذكرياتها من حياة يومية تبدلت إلى الأبد.
بعد أن صارت في أمان في القاهرة، عادت فاطمة إلى لوحاتها التي تحاول من خلالها مكافحها شياطين الحروب. وتضيف “أبدأ من الصفر مجدداً”، إذ إنها لم تحمل معها أدواتها أو معداتها.
وتقول الفنانة الشابة “الله والرسم انقذاني”.سنعود
أمجد بدر (28 عاما)، فر هو الآخر من الخرطوم تاركا خلفه آلاته ومعداته في الاستوديو الخاص به.
ويقول لوكالة فرانس برس “هذا المساء، أعزف على غيتار أعارني إياه أحد الأصدقاء”.
وهو عاد إلى العزف بعد رحلة طويلة إلى القاهرة “و11 يوما أمضاها في النوم” تعويضا عن مشقة السفر في البحث عن مكان آمن.