تباين الرؤى بين مراكز القوى داخل حزب الأمة
بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
فكرة الوسطية التي كان يرعاها الإمام الصادق؛ كانت فكرته الشخصية، فشل أن يجعلها المرجعية الفكرية للحزب، إلا عند نخبة قليلة داخل الحزب، ربما يكون ذلك لتباين الأفكار وسط نخب الحزب، وربما يكون الإمام قد أحدث نقلة نوعية في مسيرة الحزب لم تستطيع القاعدة التجاوب معها بالصورة التي تمكنها في ثقافة الحزب، الأمر الذي قد تبين بعد رحيل الإمام، أن الرؤى مختلفة. كان الإمام هو صمام الأمان للحزب، وأيضا تقلبه على التحديات التي كانت تواجه من داخله خلال الصراعات التي شهدها الحزب تاريخ حياة الإمام، حيث استطاع الإمام أن يحافظ عليه، رغم اتساع وضيق التململ داخل الحزب، ويتأكد وجود الصراع من خلال قرار ابعاد الدكتور عبد الرحمن الأمين من الأمانة العامة للحزب، ثم سحبه من مجموعة الحزب التي كانت تتولى عملية إدارة الأزمة مع القوى السياسية داخل قوى الحرية و التغيير. هل الإمام كان يشعر أن هناك تيارا ريديكاليا بدأ يتأسس داخل الحزب؟ أم كان يريد إبعاد الصقور لكي يمهد الطريق للأبناء؟.
أي متابع لحزب الأمة؛ يشعر بأن الحزب تتصارع فيه أربعة تيارات رئيس داخل الحزب.. التيار الأول كان يتفق مع الإمام في المسعى، لكنه ما كان يريد أن يزاحم الإمام في اجتهاداته الفكرية، حتى لا يحدث نوع من التشويش على الفكرة، وهو تيار تمثله نخب قليلة تشتغل بالشغل الذهني لكنها لا تملك القوى الاجتماعية الكبيرة الداعمة، والتي تمكنها الدخول حلبة الصراع بقوة وشكل مكشوف.. الثاني تيار جديد ريديكالي كان قد وثق علاقته بالقوى الشبابية التي ظهرت كتيار له أثر داخل الحزب خلال ثورة ديسمبر، وهو ذات التيار الذي اعترض على حديث الإمام عندما قال “بوخت مرقه” وصعد على قمة التيار عناصر من بيت الإمام على سلم النسب وليس اعتمادا على القدرات الفكرية والتنظيمية، وأيضا علاقة البعض منهم بالسياسة تنقصها التجربة.
الدافع الأساسي الذي دفع هؤلاء أستثمار تيار الثورة التسابق بسبب الخلاف المستتر داخل أسرة الإمام نفسه. وهو التيار الذي كان قد أقنع الإمام قبل وفاته بفك تجميد نشاط الحزب في قوى الحرية والتغيير. وعللوا ذلك أن مجموعة “قحت المركزي” تفتقد إلي القاعدة الاجتماعية العريضة، وإن مشاركة حزب الأمة في التكوين السلطوي سوف يكون له 60% من مقاعد السلطة التنفيذية، والتشريعية إذا تكون المجلس التشريعي، وبالتالي يستطيع حزب الأمة أن يحافظة على قيادة العمل السياسي. وبالفعل طلب الحزب 60% من المحاصصة.
جاء وباء الكرونة وذهب الإمام إلي الأمارات وتوفي هناك بعد أيام قليلة في رحلة العلاج. فهل كانت الأمارات وراء سرعة رحول الإمام؟ هو الشك الذي لا توجد الإجابة عليه حتى الآن، وحتى الشك بدأ من بيت الإمام، وأن كانت الأحداث السياسية التي عقبت رحول الأمام تزيد من الشك، خاصة أن انف الأمارت دخلت في الشأن السياسي السودان منذ أيام الاعتصام، ثم بنت علاقتها مع بعض القيادات السياسية. كما موقف الإمام الذي كان رافضا للتطبيع مع الكيان الصهيوني يزيد الشك اتساعا.. التيار الثالث هو تيار محافظ يلتزم بالتعاليم الأنصارية ويقف مع المنتصر، والذي يجب أن يكون من بيت الإمام. التيار الرابع هو تيار أنتهازي يتنقل بين التيارات المختلفة وهؤلاء يقفون مع مصالحهم ولا يتورعون من لعب الخشن إذا كان مكتوبا أو عضليا، و هي مجموعة قدراتها السياسية متواضعة لذلك تحاول أن تتسلق على أكتاف البعض، هؤلاء لم يكن لهم دورا بارزا في عهد الإمام، ولكن كانت أدواتهم مسرحية، من خلال مراقبتي إلي الإمام في القاهرة للإمام كان مناهض للتيار دون أن يدخل معهم في أي احتكاكات.
إذا انتقلنا إلي محطة أخرى، معرفة الأسباب التي جعلت التيار لريديكالي يخرج من الثقافة العامة لحزب الأمة، أن فكرة الإمام في عملية التحول الديمقراطي تعتمد على تفاهم بين المدنيين والعسكريين حتى تنجز مهام الفترة الانتقالية بسرعة وتنتقل البلاد إلي الشرعية الانتخابية، باعتبار الانتخابات سوف تفرز القوى السياسية وتقلل فرص بروز التحديات. لكن التيار الريديكالي نظر إليها نظرة أخرى تتمثل في: أن مناطق النزاعات والصراعات الأهلية جميعها كانت داخل مناطق نفوذ حزب الأمة، وهي نزاعات قد فرضت قيادات جديدة تتبعها قاعدة اجتماعية مخصومة من رصيد الحزب، وهو التحدي الذي سوف يواجه مستقبل الحزب، كيف يستطيع أن يوقف هذه النزاعات ويستقطب القيادات التي فرضت نفسها على الساحة؟ خاصة أن قيادة الحركات قد أكدت من خلال فغالياتها ونشاطها السياسي أنها تريد الاستمرارية في العمل السياسي، ومن خلال مؤسسات جديدة مغايرة للنفوذ القديم في المنطقة ومعروف هو نفوذ “حزب الأمة”، كما ظهرت ميليشيا الدعم السريع كتيار يملك المال والسلاح وقد أظهرت الفترة الانتقالية أن قيادتها تريد أن تحافظ على أمتيازاتها بوجودها في السلطة.
قبل رحيل الإمام قبل كان قد قرأ فكرة الاستمرارية في السلطة في وجه محمد حمدان دقلو قائد الميلشيا، لذلك كان الصادق قد صرح إذا كان حميدتي يريد السياسة عليه أن يخلع البزة العسكرية ويكون حزبا.. وعندما سئل عن إمكانية استيعابه داخل حزب الأمة؟ قال الإمام لا مانع لديهم.. أن الإمام كان بالفعل يريد حميدتي أن يكون أحد قيادات الحزب، وبالتالي يوفر للحزب الإمكانيات المادية ويعزز مناطق نفوذ حزب الأمة، لكن رحيل الإمام جاء بخيارات أخرى، وبقيت فكرة حميدتي معلقة في الأذهان. فالتيار الريديكالي يحتاج لدعومات كبيرة في مواجهة الصراع السياسي من جانب وأيضا يحتاج إلي المال حتى تستطيع مؤسسات الحزب أن تقوم بدورها.
كان رئيس الحزب المكلف غير قادر أن يوفق بين التيارات المتصارعة يرجع ذلك أيضا لضعف الخبرة السياسية، وكانت التيارات تتصارع على ثلاث هيئة رئاسة الحزب وهيئات الأمانة العامة والمكتب السياسي.. استطاع التيار الريديكالي أن يقنع رئيس الحزب المكلف بفكرة استمرار الحزب مع “قوى الحرية والتغيير المركزي” باعتبار أن الحزب استطاع أن يبني علاقات جيدة مع ممثلي الدول الخارجية، وأيضا مع دولة الأمارات العربية، وأن هؤلاء سوف يدعموا التيار من أجل الوصول للسلطة. أن رئيس حزب الأمة المكلف برمة ناصر هو صاحب فكرة تسليح المراحيل في فترة رئاسة الإمام لرئاسة والوزراء، وهي ذات الفكرة التي أسس على ضوئها رئيس النظام السابق فكرة الجنجويد، وبالتالي التعامل معها في فترات تاريخية مغايرة ليس صعبا. نواصل.. نسأل الله حسن البصيرة