بقلم : زين العابدين صالح عبد الرحمن
حضرت الندوة التي أقامها نادي الكتاب باسكتلنداعبر خدمة ” Zoom“ و التي تحدث فيها الدكتور صديق الزيلعي مستعرضا كتاب ” The Root Causes of The Nuba Marginalisation” ” الجذور التاريخية لتهميش النوبة” و استطاع الزيلعي أن يغطي محتويات الكتاب، و يفتح حوارا حول قضية التهميش في السودان، و لفت نظري في حديث الزيلعي أنه يعتبر تحقيق الاستقلال مسألة شكلية، و أن الاستقلال أخرج المستعمر و لكنه استبقى على أجندته و أدواتها، و اسفي أن الزملاء الذين وقفوا ضد الحكم الذاتي كمرحلة أولى لنيل الاستقلال، حيث تكتسب فيه القيادات السياسية الخبرة لإدارة البلاد، و قد وافق عليها الحزب الوطني الاتحادي و حزب الأمة و عارضها الحزب الشيوعي، ثم في فترة لاحقة نقد الشيوعي موقفه الذي كان معارضا.. يؤكد النقد أن القيادات الوطنية كانت واعية لدورها في تحقيق الاستقلال. و نقد الحزب الشيوعي لموقفه الذي كان معارضا يؤكد أن الاستقلال جاء (مبرأ من كل عيب ) كما قال الزعيم الأزهري.. أما البلاد لم تسير في طريق النهضة و الاستقرار هذه مسألة أخرى، لأنها ترتبط بدخول عامل جديد هي القوات المسلحة في الشأن السياسي من بوابة الأحزاب ” الأمة – الشيوعي – القوميين العرب و الإسلاميين” و هؤلاء يتحملون جميعا بإختلاف الدرجات مسؤولية عدم الاستقرار في البلاد، لآن الصراع الأيديولوجي يمثل أزمة و عائقا كبيرا لعملية الاستقرار في البلاد.
أن مصطلح التهميش و دخوله في الحقل السياسي جاء به الدكتور جون قرنق عندما كان يؤمن بالماركسية طريقا فكريا للحل في منفستو 1983م، و كانت الحركة تحت حماية الرئيس الأثيوبي منقستو هيلامريام، سقط نظام منقستو و سقط منفستو 1983م، و اتجه قرنق للغرب و تبنى شعار تقرير المصير، عندما طالب كل قوى الهامش أن تثور من أجل حقوقها، و قرنق في حديثه عن الهامش لم يقدم فيه مشروعا مفصلا، و لكن جعله شعارا لاستنفار ما يسمى أهل الهامش.. و لم يحدد ماهية المصطلح هل تحكمه عملية الصراع الطبقي أم المناطق الجغرافية في بعدها من المركز.. الغريب في الأمر أن النخب السياسية و المثقفة التي تؤمن بمصطلح التهميش حتى الآن لم تحدد من هي القوى الاجتماعية و السياسية التي تسيطر على المركز و تجعل بقية الأطراف أو حتى قوى أجتماعية بعينها مهمشة.
الملاحظ: قد سكتت كل قبائل اليسار عندما أنحرفت الحركة الشعبية عن مسارها الوحدوي إلي الانفصال. و كانت الحركة الشعبية على لسان قياداتها تعتقد أن الجلابة هم وراء عملية تهميش المناطق المختلفة في السودان، و هؤلاء قد استحوذوا على السلطة و الثروة. و بعد فصل الجنوب أصبح الجلابة بعيدين عن دولة الجنوب.. ماذا حصل: هل الجلابة كانوا وراء الحرب القبلية التي دارت و راح ضحيتها الملايين في دولة جنوب السودان؟ هل الجلابة وراء تأسيس النظام الشمولي الذي تتحكم فيه الحركة الآن؟ هل الجلابة هم وراء الانتهاكات لحقوق الإنسان و الاعتقالات التي تجري حتى اليوم في جنوب السودان؟ الغريب سكتت الحركة الشعبية في جنوب السودان؛و نسيت كل شعاراتها التي كانت ترددها عندما كان السودان موحدا.. سكتت الحركة الشعبية شمال بكل مكوناتها و أفرعها و لم تقدم نقدا حتى الآن لماذا انحرفت الحركة الشعبية من طريق الوحدة.. و لم يجد هؤلاء غير التمسك بشعارات ” مخاطبة الجذور و العلمانية و غيرها من القضايا التي لا تقود إلي أي فعل إيجابي ينهي حالة عدم الاستقرار في البلاد، كان المتوقع أن الحرب الدائرة الآن تجعل الناس تفكر بعيدا عن الشعارات السالبة التي ترفعها و لا تقود إلي إي حوار إيجابي. تجد تفكير اليسار بكل كلياته عن الديمقراطية، لا يخرج عن مفهوم الصراع الطبقي الذي لا يقود مطلقا للديمقراطية، لآن الصراع الطبقي يعني أنتصار طبقة على الأخرى و تتحكم هي على وسائل الانتاج و الدولة، و الديمقراطي مشروع فكري بعيدا عن هذه المفاهيم التي تجاوزتها مسيرة الشعوب في التحرر من أنظمة الحزب الواحد التي كان يتحكم فيها المؤمنين بالصراع الطبقي. هل العقل اليساري قادر ان يتجاوز ذلك.في مقال لمحمد إبراهيم نقد كتبه لجريدة الرأي العام 12\10\2002م يقول فيه ( تصنيف الدولة دينية و علمانية و مدنية لا يعفينا من تطوير ثقافتنا و معرفتنا بنظرية الدولة في حد ذاتها كظاهرة تاريخية اجتماعية، بدلا من القناعة الكسولة بتوصيفها أو تصنيفها، و لعل أفضل مدخل يتناسب و قدراتنا النظرية الأولية المتواصلة أن تبدأ بدراسة الدولة السودانية و نشأتها و أطوارها و تجلياتها المتعاقبة دون أن نحشرها في قوالب و أطوار لدولة الأوروبية الحديثة) أن نقد يدعوا للدراسة و الاجتهاد و حتى التفكير خارج الصندوق للوصول إلي اتفاق في توصيف الدولة التي فيها كل القوى بتياراتها المختلفة.
أن إشكالية المثقفين و خاصة في دوائر اليسار بكل تفرعاته، تهمهم في السياسة تزيين خطابهم السياسي و الثقافي بعدد من المصطلحات، دون تقديم اراء و مبادرات تساعد على الخروج من الأزمة. أشار الزيلعي في حديثه أن الجذرية و العمانية و الإسلامية و غيرها من المصطلحات المختلف عليها ليست هي الحل، أنما الحل يكمن في وضع كل هذه الاراء للتيارات الفكرية المختلفة على مائدة حوار، و يصل فيها الناس لتوافق وطني. و هي إشارة صائبة قد كررها الزيلعي كثيرا في كتاباته. و كما قال البعض أن قيادات الحركات يعتقدون إن التهميش سوف ينتهي عندما يتم تعينهم في الحقائب الدستورية، و ليس قيام نهضة اقتصادية و ثقافية و اجتماعية في المناطق التي حملوا السلاح من أجلها.
أن حديث الصديق الزيلعي عن تفكيك دولة الحزب الواحد لمصلحة التعددية، مسألة لا اعتقد هناك من يختلف عليها، و لكن دون محاولات فرض الأراء، و لا اعتقد هناك من يكون ضد العدالة في المحاسبة إذا كان فسادا أو جرائم أرتكبت ضد المواطنين.. و النخب السياسية و المثقفة لا تستطيع أن تتجاوز أزمتها و تصبح قادرة على تقديم الأفكار إذا ظلت قابعة في الإحساس بالتهميش و الدونية، لأنها سوف تستهلك جل وقتها في جدل لن يخرجها من هذه الدائرة. أن المركز الذي يعتقدون أنه يهمش الآخرين لا ينتمي لمجموعة بعينها بل هو تشكيلة من كل أهل الثروة في أقاليم السودان المختلفة، و يسيطر من خلال نفوذه الاقتصادي.. أنظر إلي الحركة و ميليشيا الدعم كل قياداتهم ذهبوا إلي مناطقهم التي يدافعون عنها أم اشتروا منازل في المركز و في أرقى الأحياء.. هل هناك كان حجرا عليهم و منعهم من الشراء؟ المركز تتشابك فيه علاقات المصالح الاقتصادية و المال غض النظر عن المناطقية التي جاء منها هؤلاء. أخرجوا الشعب من دائرة الجدل الذي لا ينتهي لنتيجة.. نسأل الله حسن البصيرة.