ظللنا على الدوام نكتب ونقول، إن قاعدة الإستقرار المجتمعي لا تقوم إلا ساقين ، هما الإطعام من جوع ، والأمن من الخوف ؛ وقاعدة إستقرار الدولة تبدأ من هنا لكن هذا الأمر يحتاج إلى أجهزة قوية ، تقوم برصد الأحداث ومتابعة المعلومات وتحليلها ، حفاظاً على الدولة ومؤسساتها وسلامتها ومكتسباتها الوطنية ، لا حفاظاً على نظام حكم بعينه .
تاريخ نشأة جهاز الأمن بمختلف مسمياته قديم ، منذ أن أنشأ المستعمر البريطاني في العام 1899 م ، جهاز أمن داخلي بإسم ” البوليس السري ” بوزارة الداخلية ، يتبع للحاكم العام مباشرة ، كانت مهمته الرسمية هي جمع المعلومات عن قادة دولة المهدية ، التي قضى عليها الإنجليز في معركة كرري ، لكنهم لم يستطيعوا القضاء على عقيدة أنصارها ومؤيديها .
تطور جهاز الأمن أو البوليس السري في عهد الإستعمار ، وتوسعت مهامه ويصبح من ضمنها جمع المعلومات لاحقا عن قادة الحركة الوطنية ، وثوار 1924م ، ثم قادة الأحزاب والسياسيين ورؤساء الصحف والصحفيين وأي أنظمة أطلقت عليها قوانين المستعمر إسم “الأنشطة الهدامة”.
من واقع مهام عمل الجهاز الأمني في عهد المستعمر ، شاهت صورة جهاز الأمن ، وروج بعض السياسيين من الذين لا ثقل جماهيري لهم بأن أجهزة الأمن ضد الحريات.. وقد ظل قسم البوليس السري يعمل حتى بعد الإستقلال ويتبع لوزارة الداخلية ، وكان نواة لأول جهاز أمن سوداني ، إلى أن تم حله عقب ثورة أكتوبر 1964 م ، وكان ذلك في تقدير الكثيرين هو السبب في أن يقف تطور العمل الأمني الإستخباراتي والمعلوماتي عند ذلك الحد ؛ إلى جاء الحكم المايوي في العام 1969 م بقيادة الرئيس الراحل جعفر محمد نميري – طيب الله ثراه – مدعوما في بداياته بالحزب الشيوعي السوداني وقوى اليسار ، وتم تكليف الرائد فاروق عثمان حمدالله – رحمه الله – بإنشاء جهاز أمن الدولة أواخر ذات عام الإنقلاب ، وكان من أكبر وأخطر الأجهزة التي عرفها السودانيون .
نحن الآن في عهد جديد ، وقد حدثت تطورات كبيرة الأحوال السياسية والأمنية بالسودان ، وتمر بلادنا بظروف إسنثنائية عامة ، وتخوض بلادنا حربا شعواء ضد الجهل المسلح ، وشاءت إرادة الله أن تكون إدارة جهاز المخابرات العامة في أيد أمينة ، فمن خلال المعرفة العامة ، ومتابعة الفعل الميداني نستطيع القول بأن إدارة جهاز المخابرات العامة وعلى رأسها الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل ، تمكنت من تجاوز أخطر مراحل الفوضى الرامية لتفكيك الدولة ، بعد أن سعى المخربون إلى تقطيع أوصال الجهاز بحل هيئة العمليات ، عقب إسقاط النظام السابق ، وذلك بتعظيم دور الجهاز في الدوائر المجتمعية ودوائر الفعل السياسي والإقتصادي لصالح أمن الوطن . وهذا أمر يتطلب أن نشرع في الكتابة عنه غدا ان شاء الله تعالى .