كانت صورة دبي هي صورة المدينة المثالية على منصة إنستغرام، غير أنها فقدت خلال الأسبوع الماضي “الفلتر” الذي كان يزيّنها.
على مدار 48 ساعة غير مسبوقة، أظلمت السماء فوق الإمارات العربية المتحدة، وغيّرت العواصف الغزيرة صورة دبي المثالية.
ففي يوم واحد هطل حوالي 25 سم (10 إنش) من الأمطار، أي نحو ضعف المتوسط السنوي للإمارات العربية المتحدة، مما أدى لأن تصبح أجزاء كثيرة من البنية التحتية الخارجية للمدينة مغمورة بالماء.
وقال جورداش رافيلز، وهو مغترب بريطاني يعيش في دبي، إن تجربة العواصف كانت مثل “العيش في نهاية العالم”، إذ شاهد من شقته المطلة على مرسى المدينة الهادئ عادة، الأثاث يتساقط من الشرفات بفعل الرياح العاتية، وسيارات الرولز رويس مهجورة على الطرق التي تحولت فجأة إلى أنهار.
وقال: “نحن نعيش في مكان مرتفع، وبالكاد نرى أي شيء خلف الشرفة… بدا الأمر وكأننا في منتصف الليل على الرغم من أنها كانت فترة ما بعد الظهر”.
وتوالت مجموعة من أربع عواصف كبيرة، يبلغ ارتفاع كل منها 15 كم (9 أميال) في الغلاف الجوي، مصحوبة برياح عاتية على الإمارات العربية المتحدة، وفقاً لخبراء الأرصاد الجوية في بي بي سي.
لم يكن مفاجئاً هطول أمطار غزيرة على مساحات صحراوية واسعة في الخليج، إذ تم تحذير السكان عبر نظام إنذار عام، لكن البنية التحتية المهيئة للطقس الجاف في دبي، لم تكن مستعدة لأسوأ أمطار تشهدها البلاد منذ عام 1949.
ومن نواح عدة، تعاملت مناطق قليلة مع حجم السيول التي اجتاحت دبي الأسبوع الماضي.
وعانت أهم مناطق الجذب السياحي في المدينة – المُغلق معظمها في الداخل للحماية من الحرارة الحارقة – في التعامل مع التدفق المفاجئ للمياه.
كانت كارولين سيبرت، 29 عاماً، من المملكة المتحدة، مع زوجها في مركز للتسوق عندما ضربت العاصفة.
وأضافت: “غمرت المياه المركز التجاري وانهارت الأسقف”، “طُلب منا المغادرة، لكن المترو كان مغلقاً، وسيارات الأجرة لم تكن تعمل”.
“تقطعت بنا السبل واضطررنا للنوم في (قاعة) المركز التجاري طوال الليل”.
وقال مات وير، وهو مدرس بريطاني مقيم في دبي منذ 10 سنوات، إن “الناس كانوا على علم” بأن هناك عاصفة قادمة، لكن قوتها تركت “الأحياء تحت الماء”.
وفي حين تظهر توقعات الطقس للأسبوع المقبل أن السماء قد تبدو زرقاء ومشمسة، إلا أن بعض العواصف لا تزال ممكنة. ومع استمرار شلل الطرق والبنية التحتية الأخرى، يحسب المسؤولون في دبي تكلفة الأضرار.
وأصدر الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن نهيان، أمراً عاماً بأن “تعمل السلطات بسرعة على دراسة حالة البنية التحتية في جميع أنحاء الإمارات والحد من الأضرار التي تسببت فيها العاصفة”.
وطُلب من موظفي الحكومة العمل من المنزل حتى نهاية الأسبوع، في حين تم تشجيع الشركات الخاصة على فعل الشيء نفسه. وأُغلقت المدارس في جميع أنحاء البلاد.
وبحسب الأرقام الرسمية قتل حتى الآن، شخص واحد بسبب العواصف التي ضربت الإمارات العربية المتحدة، هو رجل مسن توفي عندما جُرفت سيارته في رأس الخيمة، وفقاً لوسائل إعلام محلية.
ووقعت بعض أسوأ الأعطال في مطار دبي الدولي، ثاني أكثر مطارات العالم ازدحاماً، حيث من المتوقع أن يمر عبره ما يقرب من 90 مليون شخص – أي أكثر من عدد سكان ألمانيا – في عام 2024.
ويعتبر مطار دبي مركزاً مهماً للسفر إلى الخليج وربط الرحلات المتجهة إلى أماكن أبعد، لكن شهود يقولون إنه تحول إلى حالة من الفوضى بعد الفيضانات.
وأدى غمر مسار الطائرات بالمياه إلى ارباك حركة اإقلاع والهبوط، وعلق الركاب في مبنى المطار.
واضطرت شركة طيران الإمارات المملوكة للدولة في البلاد إلى التوقف حينها عن قبول المسافرين، لساعات، وقالت إن العديد من الركاب “ما زالوا ينتظرون الإقلاع”.
جو رايلي،41 عاماً، من بين المسافرين الذين تركوا في طي النسيان، وكانت عائدة إلى المملكة المتحدة من فيتنام عبر دبي مع ابنتيها هولي، 13 عاماً، وروبي، تسع سنوات، عندما ضربت العاصفة.
بعد ساعتين ونصف الساعة من التحليق فوق الخليج في انتظار فرصة الهبوط، هبطوا في النهاية في مطار آخر في دبي، قبل أن يُطلب منهم في منتصف الليل ركوب حافلة للذهاب إلى وجهتهم الأصلية.
وقالت لبي بي سي نيوز إن تدافعاً حدث حين “كان مئات اليائسين يحاولون الحصول على مقعد في الحافلة”.
وبمجرد وصولهم في النهاية إلى مطار دبي الدولي، لم يكن الوضع أفضل. قالت جو: “سألنا هل يمكننا الحصول على الماء، هل يمكننا الحصول على الطعام؟ لا شيء .. لا يوجد شيء. الناس كانوا حقاً في حالة سيئة”.
وتضيف: “قيل لنا إن ليلة الأحد، هي أقرب وقت يمكننا فيه العودة إلى المنزل، ويبدو أننا محظوظون جداً لأنه كان لدينا هذا الخيار”.
وأردفت: “شركة طيران الإمارات تقول إنه لا توجد غرف فندقية، فقلت: أوه، هل نواصل النوم على الأرض؟، فقالوا: نعم، اذهبوا وارتاحوا هناك” وأشاروا إلى “زاوية منطقة تسجيل المسافرين”.
ووصف جوناثان فينشيت، من المملكة المتحدة أيضاً، مشاهد “مروعة” في المطار، حيث كان الناس يجدون عند وصولهم أن رحلاتهم ألغيت.
وقال لبي بي سي نيوز إنه رأى عائلات “تتحصن خلف دائرة من عربات الأمتعة للحفاظ على سلامتها لأنهم لم يشعروا بالأمان، ولأنه لم يكن هناك موظفون على الإطلاق”.
وقال إن طوابير الانتظار عند مكاتب التذاكر كانت “فوضى تامة”، مضيفاً: “كان هناك مئات من الأشخاص يتدافعون…وفجأة رأيت نساء يصرخن قائلات إنهن لا يستطعن التنفس”
وقالت شركة طيران الإمارات إنها تقدر “مدى صعوبة الأمر بالنسبة لجميع المتضررين”، وأن الجداول الزمنية ستعود إلى طبيعتها.
وقال مطار دبي الدولي: “قدر الإمكان، كنا نقدم المساعدة ووسائل الراحة اللازمة للضيوف المتضررين، ولكن بسبب إغلاق الطرق، استغرق الأمر وقتاً أطول مما كنا نرغب”.
أما بالنسبة لكيفية سير الأمور الآن في المدينة، قال جورداش رافيلز إن الأمور “عادت عمليًا إلى طبيعتها”، بعد إجراء سريع من قبل السلطات. وأضاف: “هناك شعور بالاتحاد والعمل الجماعي في أوقات كهذه”.
وضربت العواصف مدينة دبي – التي يسكنها 3.5 مليون نسمة – والتي اختلفت تماماً عن فترة السبعينيات قبل الطفرة النفطية، حيث كان يسكنها قرابة 100 ألف نسمة فقط حينها.
ويتدفق سنوياً إلى دبي قرابة 14 مليون سائح، بما في ذلك المؤثرون والمشاهير الذين يبحثون عن فنادق فاخرة وخلفيات ساحرة (كان نجوم تلفزيون الواقع في المملكة المتحدة جوي إسيكس وجيمس أرجنت من بين أولئك الذين علقوا في المدينة).
وتترافق صورة دبي الحديثة مع سيطرة تنظيمية وسياسية قوية على المحتوى الإعلامي، حيث يمكن حتى فرض الرقابة على المطبوعات الأجنبية قبل توزيعها.
وطلب بعض الأشخاص الذين يعيشون في دبي، والذين تحدثت إليهم بي بي سي في الأيام الأخيرة، عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من التداعيات.
الباحث الأكاديمي ماثيو هيدجز الذي ألف كتاباً عن دولة الإمارات العربية المتحدة، واعتُقل في عام 2018، وتم تعذيبه هناك بعد “اتهامه زوراً بالتجسس”، قال لبي بي سي نيوز إنه تحدث إلى سكان الإمارات الغاضبين من عدم الاستعداد لهذه الفيضانات، والذين يعرفون أن الطقس المتطرف يمثل مشكلة طويلة الأمد في البلاد.
وتابع هيدجز: “ليس لديهم أي وسيلة على الإطلاق للتعبير عن مخاوفهم بشكل قانوني أو آمن. وإذا فعلوا ذلك، فسيتم معاقبتهم وقمعهم”.
وقال أيضاً إنه يخشى على العمال المهاجرين الأكثر فقراً في البلاد، الذين يشكلون غالبية السكان ومن المرجح أن يتضرروا بشدة من هذه الأحداث المناخية.
وأضاف: “لن يعاني الإماراتيون، فلديهم وظائف يمكنهم من خلالها العمل من المنزل وقيادة سيارات الدفع الرباعي. وسيكون العمال المغتربون هم الذين سيعانون”.