بقلم :زين العابدين صالح عبد الرحمن
في كلمة الرئيس الفرنسي ايمانوييل ماكرون في الجلسة الختامية للمؤتمر الإنساني الدولي للسودان و الذي عقد في باريس قال ماكرون ( يجب وقف الدعم و التمويل الإقليمي للأطراف المتحاربة) و هي الإشارة التي جعلت محمد بن زايد رئيس الأمارات يبادر بسرعة بالاتصال بالرئيس الفرنسيحيث تناول الحديث بينهما مخرجات المؤتمر الدولي الإنساني بشأن السودان الذي استضافته باريس، والذي يهدف إلى تكثيف الجهود الدولية والإقليمية لدفع مساعي السلام الخاصة بالسودان. و قد أكدا في الاتصال على أهمية العودة إلى المسار السياسي والوقف الفوري والدائم لإطلاق النار، وإنهاء الأزمة..
هل كانت القيادة الفرنسية على دراية أنها سوف تخسر الساحل الأفريقي الذي كانت تتحكم فيه و تستغل ثرواته و بالتالي عليها البحث عن البدائل. حيث بدأت فرنسا التواصل مع المعارضة السودانية قبل سقوط نظام الإنقاذ، و كانت قد استضافت العديد من اجتماعات تحالف نداء السودان الذي كان يترأسه الإمام الراحل الصادق المهدي.. و حتى ألمانيا استضافت اجتماعات لنداء السودان.. هذا غير الورش التي صرفت على إقامتها كل من فرنسا و الاتحاد الأوروبي و شاركت فيها اعداد من الناشطين السودانيين في كمبالا و نيروبي، كان الهدف من اقامت الورش إعداد و تدريب قيادات سياسية جديدة ترتبط بالغرب أكثر، لكي تراعي المصالح الأوروبية في السودان مستقبلا.. و أيضا بدأت الأمارات الاتصال بقيادات سياسية من الناشطين السودانيين عند بداية ثورة ديسمبر 2018م و قبل سقوط النظام و بعده، و كان قد أشار إليها سكرتير الحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب في الندوة التي كان قد أقامها الحزب الشيوعي في ميدان المدرسة الأهلية بأمدرمان. و أيضا كانت الأمارات وراء اللقاء الذي تم بين عبد الله حمدوك و محمد إباهيم مو و صلاح مناع و صلاح قوش في أديس ابابا قبل سقوط النظام، و هو الاجتماع الذي بعده بدأ التخطيط لكي يصبح حمدوك رئيسا للوزراء.. و إذا سألت القيادات في كل تحالف قوى الحرية و التغيير من الجهة التي رشحت حمدوك لرئاسة الوزراء يقولون القوى المدنية فقط ، دون ذكر أي شخص في هذه القوى المدنية.. رغم أن حمدوك قد تم ترشيحه من قبل عدد من ما يسمى رجال الأعمال السودانيين.. و هؤلاء مجموعة معرفة بأسم الراعين للمصالح الأمارتية في السودان..
عندما قال ماكرون في كلمته في اجتماع باريس ( يجب وقف الدعم و التمويل الإقليمي للأطراف المتحاربة) هل كانت الأمارت لا تعلم أن فرنسا مراقبة لكل الدعم الذي تقدمه للميليشيا و الذي يأتي عبر الأراضي التشادية؟. أن تشاد دولة مستقلة صحيح لكنها تقع تحت سيطرة النفوذ الفرنسي. و فرنسا لها قوات متواجدة في تشاد و أكبر مركز مخابرات لها في المنطقة بعد ما خسرت نفوذها في كل من ” بوركينا فاسو – مالي – النيجر – و أخيرا السنغال” و بالتالي تبحث فرنسا عن مواقع جديدة لها في أفريقيا، و عن حرب السودان تعلم فرنسا من الذي بدأها و ما هو المخطط وراء ذلك..
الملاحظ؛ هناك قناعة فرنسية و أماراتية بالضغط على الجيش لكي يتم الرجوع إلي المفاوضات، و لماذا يطرقان على باب المفاوضات؟ لآن فرنسا تعلم يقينا و كذلك الأمارات أن انتصار الجيش في هذه الحرب سوف يغير كل المعادلات السياسية المطروحة في الساحة، و لذلك يراهنون على المفاوضات من أجل رجوع القوى السياسية التي يعتقدون أنها سوف تحافظ على مصالحهم إذا صعدت للسلطة. و هي توقعات قد تجاوزتها الأحداث خاصة أن أغلبية الشعب يقف مع الجيش، و أن ما فعلته الميليشيا من ممارسات النهب و السرقة و القتل و الاغتصاب قد جعلت هناك خيارا واحدا عدم عودة الميليشيا مرة أخرى عسكريا و سياسيا، و عدم العودة يعني إزالة مسببات أي توقعات لحرب جديدة في البلاد مرة أخرى.
أن مطالبة السلطات الجديدة في النيجر الولايات المتحدة أن تسحب تواجد قواتها في النيجر، و استجابت واشنطن لهذا الطلب، مما يؤكد أن الصراع الاستراتيجي في المنطقة أصبح حقيقة واقعة، و هذه الدول ” أمريكا و فرنسا و حلفائهم ” يبحثوا عن موطئ قدم لهم في القارة الأفريقية، و اعتقادهم أن السودان يعتبر أهم موقع إستراتيجي يربط شرق إفريقيا بغربها، و بالتالي سوف يعملوا ليس من أجل فرض شروطهم على السلطة القائم الآن و التي يمثلها الجيش، و لكن سوف تتغير المواقف إلي جانب المنتصر أو القريب للنصر. بعد ما فقدت الميليشيا سمعتها الأخلاقية بسبب ممارساتها في انتهاكات حقوق المواطنين و الإبادة الجماعية في دارفور. ستظل الدول الغربية و أمريكا يتحدثان عن اعطاء السلطة السياسية للمدنيين بهدف إرضاء لمواطنينهم، و لكنها تصبح مناشدات و مجرد شعارات..
في اللقاء الذي كانت قد أجرته و كالة ” تاس الروسية” مع السفير الروسي لدى السودان، أندريه تشيرنوفول قال فيه “أن الصراع المطول في السودان يرجع لعدة عوامل، وأن أول قنبلة موقوتة في أساس الدولة السودانية، زرعها الغربيون مع مشروعهم للتحول الديمقراطي في عام 2019 بعد تفكيك نظام عمر البشير( وأضاف قائلا (إن المحاولات المهووسة لتكييف السودان مع المعايير النيو ليبرالية الغريبة جداً عن سكان البلاد أدت بطبيعة الحال إلى أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة.. إلي جانب أن لرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان، فولكر بيرتس، قد صب الزيت على النار، بصفته أحد الموقعين على الاتفاق الإطاري السياسي المثير للجدل وغير الشامل الذي تم التوصل إليه في 5 ديسمبر 2022. لقد كان يعني ضمناً نقل السلطة إلى جهة غير منتخبة مدعومة من الغرب) حديث السفير الروسي بهذه اللغة الناقدة الواضحة تبين الصراع الإستراتيجي الذي يشهده السودان الآن. و بالتالي سوف يخفف الضغط على القيادة لكي تختار أنجع السبل في الوصول إلي نهاية الحرب، و ليست القوى التي تحمل أجندة غربية، و التي قرارها عند أصحاب الأجندة. نسأل الله حسن البصيرة…