د عبدالسلام محمد خير يكتب: التلفزيون.. والسلام

تقول الحكمة الصينية (إذا كان لك خصم لا تقلق!.. إنجز ما عليك وإتجه للشاطىء، ستعلم أنه مضى مع التيار)!.. فى الأمر عقلية – إنشغل بما يليك.. نعلم أن العقلية السائدة في الصين (العمل ولو كانت الحرب دائرة)!. هكذا يحدثونك عن حضارتهم و حاضرهم.. زرناهم بعد الثورة الثقافية فكانوا يتباهون بإنتصارهم على الأعداء بالثقافة!.. هاجسهم (العمل) كعربون للسلام.. رفعوا شعارا جديدا لمرحلة السلام (دع ألف زهرة تتفتح).. فى الأمر (عقلية).

الصين ليست وحدها التي واجهت الخصومات بعقلية فاهتدت لحلول قوامها الحكمة.. المفجوعون يمتدحون أية دولة خرجت من حرب مستندة على الحكمة.. تتجلى الحكمة في الخطاب العام، توجه الدولة، حديث الشارع، والإعلام.. العالم يراقب من دخلوا حربا بملاحقة إعلامهم، الأقوال والتصرفات.. هل من مؤسسات تشعل الوعي وتعزز دور الإعلام فيما يتناوله من أمر بلادهم والحرب دائرة؟.. هل من حكمة فيما ينشر ويذاع ويقرر؟.

لحسن الطالع والأيام عصيبة إن الحكمة عند السودانيين مازالت تلازمهم.. نصادفها تلوح على ألسن من يطأون الجمرة، من ضحوا وعانوا – أكرمهم الله.. الحكمة يتحراها الناس على ملامح أهل الشأن حين يخرجون إلى الشارع ويحدثونهم فيما يهمهم – فليسعد النطق إن لم يسعد الحال- من حكم (المتنبىء).. ليت المسؤول يقول خيرا أو ليصمت، هذا رجاء الناس فيمن يحدثهم في ظروف عصيبة.. الأفضل أن يكون قادما من عمل أنجزه فعلا لصالح مواطن تعرض لحرب.. شاشة التلفزيون تبدو كذاك الشاطئ الذى قصدته الحكمة الصينية.

الحكمة سودانية.. فوجئت بمن يقولها تلقائيا وبما يثلج الصدر في سهرة بالتلفزيون القومي تنهمر فيها (تساؤلات) على ضيوف من كل فج، وتقديم متقدم.. قال الضيف هاشا باشا كانه يبشرنا بالقادم بعد أن حلق بنا في تاريخ الحركة الوطنية: (الحكمة ظلت حاضرة في كل الأزمات التي مرت بالبلاد)!.. يا ريت!.. أليس هو الرجاء الآن؟!.

هذا التداعي الإعلامي تواتر حول الإستعصام بالحكمة- أنى وجدت.. إنها أقرب حين تتجلى على الشاشة بملامح من هم قريبون من الناس.. الشاشة تعزز معنى المفردات بإبهاراتها- النبرة، الإنفعال، التقنية، وما يسمى في علم الإعلام (لغة الجسد).. وسائل التعبير على الشاشة أبقتني ملازما لسهرة عنوانها في الصميم (طبل العز).. البلد تستعيد أمجادها ودواعى فخرها وعزها لتسمو فوق نيران الحرب، بحكمة الماضي وعقلية الحاضر.

هكذا كنا.. المشهد على الشاشة ينبىء أن شهامة وبسالة وعز أهل السودان باقية برغم وبرغم.. هل أحفاد هؤلاء معرضون للهزيمة يوما؟.. يعجبك ضيف السهرة وكأنه قادم لتوه من أضابير تأريخنا البطولي ليحدثنا عن أصل التلاحم بين الشعب والجيش منذ أيام (يجو عايدين).. باحث محقق يحسن الرواية، الأستاذ خالد الشيخ، يتجلى على الشاشة متوشحا بأمجاد البلد.. معلومات مذهلة وصور عن ما نفاخر به في مواجهة ما يحاك ويمس عزة أهل السودان.. المشاهد شريك في الحوار، فيهم من تذكر مقولات وحكم شهيرة (هم رجال ونحن رجال)- لزعيم الأمة.. (ويا كبرياء الجرح لو متنا لحاربت المقابر)- لشاعر العرب.

أيام المجد تعيد أدراجها حينا بعد حين حتى لا ننسي أن السودان عصي على العدوان، كان ومايزال ويبقى بإذن الله.. تفاجأ بهذه الروح عبر مختلف الوسائط.. فاجأنا بها أسفيريا من هو (الكابلي) يذكر بوصايا الكبار:
الوطن العزيز بى ناسو ما الحيطان

عزك يا وطن.. سابق على الأزمان (عزك يا وطن)..(عشانك يا بلد).. كلمات محفزة للنصر تفيض بها (اوبريتات) غاية في الروعة كلمات وإخراجا وإصطفافا بشريا أنيقا يلهب الهمم.. ينسجم ذلك مع أخبار مصورة عن الإنتاج الزراعي من داخل الحقول.. برنامج (مفتاح الحل) تقديم بروفسور مأمون ضو البيت، بقناة (الزرقاء) إصطفى خبراء سودانيين عالميين تخصصهم الزراعة يدحضون إحتمال مجاعة في بلاد بهذا الثراء (إذا ما مضينا نعمل).. يختمون بثقة (الحرب لها نهاية، فلنستعد لما بعدها) – كلام علماء.. على شاشة التلفزيون تتزاحم مشاهد إستنفار وتدريب الشباب بلا سابقة.. كالمفاجاة تطل مشاهد فتح المدارس وسط صخب الطلاب وحضور الأساتذة.. دلائل إسترداد الأسواق عافيتها والمواقف زحامها تتصدر الشاشة.. ليت هذه الإشارات تشكل تحفيزا لتلفزيون قومي فقد مقره، فإستعصم بعراقته وهويته و(جينات) مهنية أبنائه وبناته، يواجهون المهددات بوجوه نضرة وعقول مستنيرة.. كم من مبادرات برامجية على (ثغر) بشوش، مضياف بلا حدود.. الرصد والنقد والدعم منظومة محفزة للإيجابيات في ظروف عسيرة، مما يبث الأمل في سلام يتخيله المنكوبون قد تحقق وهو منتظر.. فكأنما الشاعر كان يقصد (السلام) حين قال (الحب في الأرض بعض من تخيلنا.. لو لم نجده عليها لإختلقناه)- أوليس السلام تخيلا تؤججه محبة؟.

من تعلق بالوطن يستطيب (تخيل السلام) أمام شاشة مفتوحة على (مشوقاته) طوال الوقت، بإنتظار قطع الإرسال وطلة (عمر الجزلي) كما حدث لدى تحرير مقر الإذاعة والتلفزيون فتمناه السودانيون إعلانا لتحرير كامل لأرض بلادهم.. اللهم يسر، فهناك مبشرات تستهين باليائسين.. إنتصارات الجيش تترى يعززها إستنفار شعبي يتعاظم شأنه.. إنجازات هنا وهناك برغم العدوان.. مشاعر وطنية تؤجج الأخبار، تفيض بروح السلام.. وجوه تبث الأمل بينما دواخلها مفعمة بما أحزن بلدهم.. سيرة الشهداء وسائر الأبطال ورموز المبادرات والأسر الهميمة.. تفاعل شفاف مع أهل البلد تواصيا بالحق وبالصبر.. تواصل مع سودانيين في الغربة يستنفرون أنفسهم بلسان حال (نحن هنا)- بإحساسنا وإبتهالاتنا ومانملك.. تلفزيون البلاد برغم دمار مقره يفيض بتفاعلات أهل البلد، هاجسهم (ما يلينا).
أنجز ما يليك أولا ثم راقب الشاشة، حكمة أصلها كوني إنساني، تلهم أهل السودان:
الأزمة ما أزمة حرب..
الأزمة في موت الضمير
قل العمل .. كثر الكلام
الأزمة ؟!.. في أنفاسنا
في إحساسنا بالفعل الجميل .

(الفعل الجميل) و(العقلية المدبرة) – ملحمة عالمية في حماية الأوطان بالسلام والفعل الجميل.. هذه لشاعر سوداني إسمه (هلاوي) شهرته (مليون سلام)- (ما ليك مؤمن إنتمى.. ما بيك تائه إحتمى.. ما كلمة طارت فى السماء بالحق تشق صدر الظلام).. من كنوز مكتبة التلفزيون غير القابلة للنهب.. مليون سلام من سودانيين ظل هاجسهم السلام، شهرتهم محبة رسول السلام وإتباع سنته سلاما ووئاما وفعلا.. صلى الله عليه وسلم.

السودانخيردكتورعبد السلاممحمد