عواطف.. مقال التلفزيون نقد أم شكوة

بقلم::زين العابدين صالح عبد الرحمن

قرأت مقالا للأستاذة عواطف محمد عبد الله من تلفزيون السودان عن اللقاء الذي كان قد أجرته الأستاذ لينا يعقوب من قناة ” الحدث” مع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام و عضو مجلس السيادة، و تتحسر أن تلفزيون السودان قد سعى لإجراء مقابلات مع القيادات في كابينة القيادة و لكن لم يجد ردا بالموافقة أو الرفض، بينما وجدت قناة ” الحدث” الموافقة لإجراء لقاء في القيادة العسكرية بأمدرمان..

واحدة من أخطر الثقافات البائسة التي خلفها الجنرال محمد عثمان نصر وزير الإرشاد في حكومة الرئيس ” إبراهيم عبود” أنه قيد العمل الإعلامي بمركزية خانقة جدا، و هذه المركزية تبعها بمراقبة للأجهزة الإعلامية في أدائها، الأمر الذي جعل كل القيادات الإعلامية تتبع البروقراطية المكتبية في أنجاز عملها.. هذه الثقافة استمرت طويلا.. حاول تغييرها عبد الماجد أبو حسبو عندما كان وزيرا للإعلام أن يجعل للإعلامي مساحات يتحرك فيها و يتخذ فيها القرار، و حاول أن يسندعلى ذلك بفكرة إنشاء ” معهد الموسيقى و المسرح”بهدف ثقل القدرات و التدريب للإعلاميين.. و عادت ثقافة محمد عثمان نصر مع أول وزير للإعلام في وزارة نميري عام 1969م عندما جاء للوزارة محجوب عثمان و استمرت السياسة ثلاثين عاما في عهد الإنقاذ. بل الإنقاذ لم تكتف بالوزارة و مراقبة الإجهزة حتى وضعت داخلها طائفة من رجال الأمن.. هذا التراكم للثقافة سنين عددا كان خصما على الإعلاميين و الصحافيين و أغلبية آهل الفنون.. أن الإعلامي لا يتردد في البحث عن وسائل يكسر بها تلك القيود، و بأدواته يتجاوزها و ليس بالخطابات المكتبية..

كتبت عواطف محمد عبد الله مقالا بعنوان ” تلفزيون السودان يفشل و تنجح قناة العربية” تتسأل عن فشل تلفزيون السودان إجراء مقابلات مع قيادة السلطة في السودان بينما نجحت العربية في ذلك و هو تسأل مشروع، و كتبت في مقالها ( تلفزيون السودان منذ أن عاود بثه ظل يلاحق مجلس السيادة رئيسه و أعضاءه لإجراء مقابلة لمعرفة ما يدور في كابينة القيادة و لتطمين الشعب السوداني و احاطته بمآلات الحرب.. هل تصدقوا أن التلفزيون الرسمي لم يحصل على موافقة.. التلفزيون أوفد فريقا للعمل إلي أمدرمان، ظل مرابطا لأكثر من ثلاثين يوما .. فشل في إجراء مقابلة مع الفريق العطا.. عاد الوفد و بدأت مكاتبات و إجراءات ثانية لإجراء مقابلة مع العطا… أيضا فشلت و قبلها مع الكباشي و أيضا فشلت) أقول و بكل صراحة.. و أن تتحمل الأستاذ عواطف نقديلمقالها.. أن المقال قبل أن يكون عتاب أو شكوة ضد المسؤولين في كابينة القيادة.. هو يبين ضعف المسعى للإعلاميين السودانيين، لكسر القيود التي يعملونها بأنفسهم، و يلجأون إلي أدوات مكتبية عقيمة.. التلفزيون هو الذي يجبر المسؤولين البحث عنه و ليس العكس فالمبدع هو الذي يبتكر الفكرة..

ذهب وفد التلفزيون السوداني لأم درمان للبحث عن مقابلة مع ياسر العطا و ظل يطرق بابه بالترجي و الانتظار.. إذا كان حاملي هذه الكاميرا ذهبوا في جولة في أمدرمان للتغطية على ما خربته الميليشيا، و التقت بالمواطنين، و ذهبت في جولاتمع والي ولاية الخرطوم في زياراته المتعددة لمناطق أم درمان، أليس هذا مدخلا جاذبا للمواطنين و القيادات، و يعد مدخلا للإلتقاء بياسر العطا حتى على طرقات أم درمان أو في مواقع الارتكاز.. و إذا كان التلفزيون سعى لعرفة جولات القيادات في الولايات الأخرى، و أرسل الكاميرا قبل الزيارة و جعلها تنقل الحياة و تلتقى بالمسؤولين في الولايات و معسكرات الجيش و تغطي زيارة المسؤول، ألا يعد ذلك مدخلا للقيادات، أن طلب المقابلة و إجراء الحوارات مع المسؤولين يجب أن يحمله حامل الكاميرا الذي يقوم بالتغطيات، و ليس المدير الجالس في مكتبه.. أستاذة عواطف كتابة الخطابات و انتظار الموافقة هذه سياسة محمد عثمان نصر بدأت في 1958م و ماتزال مستمرة.. الإعلاميين يجب أن لا يتعاملون مع الباشكتبة، هم وحدهم قادرين على خلق ثقافة جديدة يحدثوا بها أختراقات.. تلفزيون ” الحدث العربية” قبل المقابلة عملوا تغطية عن سوق أم درمان، و كيف خربته الميليشيا، و أيضا زارت كاميرتهم أحياء أم درمان القديمة، أين أنتم في أجواء الحرب.. أستاذة عواطف الإعلامي و الإعلامية في مراسلات الحرب لا ينتظرون المنوكير و البوديكر و الديكور. يجب عليهم أن يتحولوا إلي مراسلين حربيين يعرفوا كيف ينتزعوا فرص لأجهزتهم مع المسؤولين و صناع القرار..

للأسف أستاذة عواطف أن المقال لا يشكل إدانة لكابينة القيادة، و لكنه يكشف حالة التراخي و الانتظار لتلفزيون السودان، أن عمل التلفزيون لكي يحصل على موافقة لإجراء لقاءات في الدولة، بيد العاملين فيه و من خلال جدهم و أجتهادهم و حركتهم و تغطيتهم للحدث يلفتوا أنظار القيادات، و بهذا العمل يفتحون ألف باب، و لا يحتاجوا لطرق تلك الأبواب، لأن أبواب التلفزيون هي التي سوف يتكرر عليها يوميا الطرق.. أتذكر بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021م كان الشاذلي عبد القادر رئيس للهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون كتبت مقالا نشر في جريدتي ” إيلاف و الجريدة” طالبت الشاذلي أن لا يصر على الثقافة الإعلامية لعهد عبود التي كبلت العمل الإعلامي حتى ثورة ديمسبر التي زادت الطين بلة.. أن يخلق ثقافة جديدة أن يحرر الإعلاميين من قيود الإجراءات المكتبية، و يعطيهم مساحة حرية كافية يستطيعون من خلالها أن يطلقون العنان لإبداعتهم، لكن للأسف الشاذلي أصر على ثقافة محمد عثمان نصر، و أنتي و مدير التلفزيون الآن تصرون على بقائها.. غيروا ثقافتكم تجدوا انفسكم فاتحين كل الأبواب. نسأل الله حسن البصيرة..

الزينصالح