بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
عندما كتب المفكر هانس ماغنوس كتابه “صناعة الوعي في الأدب والسياسية والإعلام” كان يتحدث في كيفية أن يتم استنساخ العقل كمنتج اجتماعي من خلال أدوات وسائل الإعلام، قد لفت الانتباه لدور الإعلام واستخدامها في ترويج العديد من السلع، ومن خلال هذه الآليات يتم السيطرة المباشرة على الإنسان ورسم طريق مساره واختياراته، ويصبح الإنسان أداة طيعة في يد الإعلاميين.
أن كتاب هانس جعل الوعي نقطة تحول في فهم دور مؤسسات الإعلام والتعليم في تشكيل الإنسان بالصورة التي يريدها المجتمع الذي يملك هذه الآليات.
وكتب الدكتور أحمد سامر عن الوعي في مقال بعنوان “صناعة الوعي الجمعي” يقول فيه ” لقد استطاع مؤسسو أستوديوهات الإنتاجِ السينمائي في هوليود أن يُمسكوا بطرف الخيطِ الصحيحِ – رغم أنهم كانوا في أقصى حالاتِ الضعفِ في بدايتهم – ورصدوا ببراعة القوةَ غيرَ المحدودة للسينما والصورة، وصناعةَ الوعي الجمعي فاستغلوا بعبقرية لا مثيلَ لها السينما لاستعمار الخيالِ وتشكيلِ ملامحَ جديدةٍ لمجتمع جديدٍ سيغزو أمريكا، ثمَّ بقيةَ العالم”.
واستطاع غوبلز وزير إعلام هتلر في الحرب العالمية الثانية، أن يوظف الإعلام مستخدما علم النفس كأرضية منهجية لوسائل الإعلام في التأثير النفسي علي شعوب وجيوش دول الحلفاء.
وأيضا غوبلز لفت أنتباه النخب السياسية لدور هذه الأدوات علي عقول الناس، لذلك تجد بعد الحرب أن الدول التي تبنت الاشتراكية وقيادة الحزب الواحد للدولة جميعها سيطر على وسائل الإعلام، وجعلها خاضعة للسلطة.
قبل ثورات الربيع العربي، قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عام 2009م، أن الإدارة الأمريكية طلبت من مراكز البحث العلمي إنتاج آليات إعلامية تعمل من خلال الأنترنيت لا تستطيع أجهزة الأمن في الدول الشمولية السيطرة عليها.
وكان الدور القوى لوسائل الاتصال الاجتماعي في تعبيئة الجماهير في العديد من الدول العربية ضد أنظمة الحكم فيها، وأيضا التجربة تمت في دول أخرى غير عربية، وهي نفسها دخلت كعامل فاعل في الانتخابات الأمريكية.
هذا التطور المذهل في وسائل الاتصال الذي جعل أغلبية الشعب يمارس دوره في صناعة القرار في العديد من الدول، كان بفضل هذه الآليات التي كان قد أشار إليها هانس في عملية تشكيل الوعي.
لكن يطرح سؤال لماذا هذا الوعي بدور الإعلام يتضاءل في السودان خاصة بعد الثورة، واتساع دائرة الحريات؟ هنا القضية مرتبطة بثلاث عوامل أساسية تتمحور في :-
1 – أن الإعلام في السودان تم فيه استبدال فقط لليافطات، لكن العقلية لم تتغيير، هي عقلية لا تستطيع أن تخرج من دائرة السلطة، وتعتقد أنها تمثلها ويجب العمل على إرضائها.
فالقيادات الإعلامية التي تم استجلابها من غير الوسط الإعلامي تريد أن تحافظ علي مواقعها، لا تريد أن تبتكر دوراً جديداً للعمل الإعلامي يتماشى مع شعارات الثورة، فالثور جاءت بهؤلاء لهذه المناصب، لكن هم وحدهم القادرين علي سلك الطريق الذي يجعلهم يحافظون علي مواقعهم، وبالتالي أفضل لهؤلاء أن يكونوا على هامش الفعل أفضل الدخول فيه وتكتشف مقدراتهم المتواضعة.
2- في أي مؤسسة إذا جاءت عناصر غير مؤسسة على الفعل الإبداعي، أن الوظيفة لا تمنحها هذه القدرة، لذلك العديد من العاملين خاصة في الوسط الإعلامي وجاءت بهم طرق الولاء والحزبية وغيرها تجدهم بعد عشرات السنين على هامش العمل، باعتبار أن تكويناتهم ومقدراتهم المتواضعة لا تجعلهم يكسرون الشرنقة التي وضعوا فيها أنفسهم.
3- أن العمل الإعلامي يتطور ويؤدي وظيفته من خلال المبادرات والأفكار للعناصر التي تعمل فيه، وهؤلاء هم الذين يستطيعون تمزيق أي رداء يضيق بالعمل الإعلامي، وأيضا يستطيعون تقليص مساحة الحرية، فالمسألة ليست مرتبطة بالسلطة فقط ،ولكنها مرتبطة أيضا بالقدرة الإبداعية للعاملين وكيفية توظيفها التوظيف السليم.
أن الإعلام له دور كبير في صناعة الوعي، وأيضا الوعي الجمعي، إذا تم استغلاله الاستغلال السليم، ووجدت العقول والمقدرات الإبداعية المناخ الطيب الذي سوف تعمل فيه، ويستطيع الإعلاميون أن يقدموا مبادرات تخرج البلاد من أزماتها. نسأل الله حسن البصيرة.