بقلم: د.عبدالسلام محمد خير
ويكاد يحلف!.. صحيح إنها من (مكتسبات) أيام الحرب، لكنها تبدو كمؤانسة حميمة بين إثنين بينهما من الخصوصية ما بينهما (ما ناسنكم) !.. هي محض (روح سودانية) بين ما نجا من الحرب.. ألهمتها مداخلة حول دوافع تظاهرة إعلامية صحفية تنادى إليها من حملتهم الحرب للنجاة شوقا (تال الشمال) حيث الشقيقة (المؤمنة).. (ما ناسنكم) لهجة تضج حفاوة بمن فقد بيته.. هي من ابتكارات مقيم بالقاهرة إعتبر ضيوف مصر مكانهم (شقته) التي تسع الجميع.. بروفسور صلاح الدين الفاضل، ناطقا بلسان حال من شكلوا أولوية للسلام.. إن البلد سالم بتراثه، بدليل هذه الأريحية، في خشم الباب، من طرف الفم (ما ناسنكم)!.
ربما أراد البروف أن يذكرنا بأن (هنا أم درمان) حاضرة، برغم محاولة تغييبها عنفا، صوتا ومعنى ومبنى.. وهي من تعهدت في كل منعطف بالتذكرة بشأن البلاد ومقامها.. خطر لي هذا وأنا أتلقى سيرة لإعلاميين ظلوا (يصلون غيرهم وينسون أنفسهم) .. تواردت الخواطر فيما يعزز الصف الوطني في هذه الأثناء.. تصادف أن أستقبلت على الجوال سيرة لرموز ونجوم ممن (يتحبون، من غير ليه)!.. ألفناهم هكذا (مما فتحت عيننا على الراديو) وسمعنا (هنا أم درمان) بصوت علي شمو..فما نسيناهم، ولا هم نسوا.
(ما ناسنكم) والحرب دائرة!.. ودودة، من شاكلة (طارنك) و(قايلني ناسيك)؟!.. تزيل الهموم وقد تلاحقت – حربا وغربة.. يستحقها الإنسان والمكان، ويا لألق الأمكنة!.. تشكل (ترند) إنفراجي في ظروف قابضة.. طلائع لخطاب عام متوازن، ضد التهميش والكراهية و(إدارة الظهر) – سبب الأذية ..النسيان قد يكون ضرورة لتجاوز لحظة ضيق – بإذن الله.. يبقى الأمل متمددا بإقتران الآخرين في ذهنك بالخير.. إنها نزعة (قيمية) تشيع التراحم الذى هو من الدين.. ما أحوجنا لنتذكر قيم البلد والظروف عصيبة.. من ينسى درر الأستاذ عمر حاج موسى تمجيدا لمآثر (ود مدني) حاضرة الجزيرة- فك الله أسرها؟!..ليت تلك الكلمات تتردد الآن ليطمئن أهل السودان أن بلادهم بقيمها وأمجادها عصية على الإستباحة.
ذكرنا بذلك من كتب الآن يوثق للإعلاميين في زمن الحرب.. إستوقفتني سيرة (صلاح طه)- الذى (لا ينقطع سؤاله عن أهله وذويه وزملائه ومرؤسيه وتلاميذه أبدا)..كما يفصح الراوي.. سريعا ما تداعت مواقف فى أيامه الأخيرة.. لقد جمعتنا لجنة إعلامية لتأسيس (إذاعة جامعة أم درمان الإسلامية) برعاية مديرها بروفسور حسن عباس، رحمه الله.. إذاعة صدحت (رسالية) توحي بدلائل ما يرجى وراء العمل الصالح بإذن الله.. كان أحد علمائها قد بشر المشاركين في هذا المسعى بأنهم فى مقام الرواد مثلهم مثل من أسسوا للجامعة.
التوثيق للأعمال الجليلة في البلد يتصدر الأماني العذبة والتوصيات الإستراتيجية.. تمنيت أن تحتفظ الجامعة وأية مؤسسة بأسماء من يعينونها، من قبيل (ماناسنكم).. إن ما ينجز بإتقان ويوهب للذكرى والتأريخ يتضاعف أجره عند الله بإذنه تعالي، ويستطاب أثره بين الناس.. الإعلام طرف في العمل الصالح، يسانده، يوثق له ويصله بحاجة الناس.. هناك من كأنه يسمعنا فيورد قصة لمبادرة (لم الشمل لإنقاذ مشروع الجزيرة والمناقل) طرفها بروفسورعلي محمد شمو مثمنا عاليا بأنه (المشروع الإقتصادي الأكبر على مستوى العالم). علهم ينتبهون.
تترى أمثلة لمشاركة الإعلاميين في مشروعات قومية، تلقاء ما تفوقوا فيه.. تجربة بروفسور صلاح الدين الفاضل مع جامعة أم درمان الأهلية، مثال ساطع، كرمته الجامعة.. وتطوافا على إلهامات الإذاعة جاءتني (شؤون وشجون) للمذيع الطيب قسم السيد.. إنه يؤجج الإحساس القومي تجاه ثروة البلاد الإعلامية..(سيرة ناصعة لأجيال مبدعة أرسوا بجميل صنيعهم قيما مهنية وإنسانية شكلت تراثا وطنيا إبداعيا)- هذا ورد مقترنا بأمثلة.
الأستاذ محمود أبو العزايم، الوثائقيات و(صوت الأمة)..الأستاذ محمد سليمان، مبتكر برامج.. (صالحين) فى إدارة الحوار الإذاعي، والأخبار.. أحمد قباني (الصوت النادر)، حسن محمد علي صاحب (الفتوحات) – (صالة العرض) لعلم الدين حامد، كان فقرة..عمر الجزلي – حوارات ذهبية، يصحح لغة الأخبار.. محمد طاهر، دكتور الفحل، جعفر عبدالمطلب.. عاملون في كل المواقع (خلدوا أسماءهم في ذاكرة شعبهم ووجدان أمتهم).. قائمة أفلح في حصرها بروفسور عوض إبراهيم عوض (الإذاعة في نصف قرن).. بروفسور علي شمو له كتاب أفاض في كل جمائل (الراديو).. أجمل صوت قال (هنا أم درمان) حلمي إبراهيم!.
التوثيق للإذاعة والتلفزيون وعبرهما يستكشف مناقب الحياة السودانية ويصونها ويؤججها في وجه الجهلة.. هل من إصدارات أخري، بذات الأنفاس؟.. وددت لو أن ملتقى بورتسودان تولى الرصد وحفز للمزيد، فأي إعلام بلا ذاكرة؟!.. الإسهامات تترى بتعاظم دواعي البحوث التطبيقية في مجال الإعلام.. من جانبي أسهمت بكتاب قدم له بروفسور شمو (إدارة المؤسسات الإعلامية في عالم متغير)- عن نشأة وتطور الإدارة في الإذاعة والتلفزيون.. تحت الطبع- إذا تيسر (إعلاميون وصحفيون في الخاطر) و(أسماء لها أصداء).
(ناس الإذاعة والتلفزيون) هم أنفسهم جديرون بأن يوثق لهم.. فيهم من تفوقوا وتدرجوا للعلا.. وزير، وكيل، مديرالهيئة، رؤساء بعثات دبلوماسية، مواقع إقليمية بارزة ومنصات فضائية مرموقة.. منهم من أسسوا إذاعات وفضائيات خاصة، ومن أحرزوا وأحرزن درجة الدكتوراة، أكرم وأنعم.. بل أكثر من دكتوراة، فأستاذية.. ومن شقوا ذاك (الحوش) الدفيء إلى حضن الإبن البار، التلفزيون.. فأبدعوا.
كأنه تعمد أن يضرب مثلا.. فاجأنا المؤلف (بإنسرت) لا يضاهي!..(معتصم فضل) بين السطور (إنه داخل مبانيها، وفى كنف مهامها وواجباتها التي تلازمه في جميع حله وترحاله، في ردهاتها، ممراتها، استديوهاتها، في بيته أوعند أهله وبين جيرانه، يلتقط بثها في كل الأحوال) – يفيض الراوي في سيرة من هو مدير الإذاعة (المدير).. ويختم (الرجل خرافي في إرتباطه بالإذاعة، وما يصدرعنها).
هذه لهجة إعجاب بأنموذج للأداء العام في الدولة، تقدمه مؤسسة إعلامية.. لا نملك إلا أن نشارك في الإعجاب، وعن تجربة.. عقب إستضافة على الهواء مع المذيع المرموق محمد عبدالكريم، له وللحسن (الحسن) السلام و(ألف سلامة)، فوجئت بمعتصم هذا يستقبلني على باب الأستديو، بتبسمه ذاك!.. علمت أن ذلك ديدنه، يستقبل ضيوف الإذاعة ويتابع مشاركاتهم ويكون أول من يلتقونه وهم خروج فيسعدهم بباكورة الصدى- غاية أي برنامج .
المؤلف يختفي بعد الحلقة العاشرة!.. للمشاهير بقية.. أين عصر (عمي عوض) وتلك التقنية الباهرة؟، والمكتبة (الإرث) الناجي؟، و(تدشين العودة) بصوت جزلي، بإذن الله؟.. (كنت مولعا بالإذاعة) – يصارحنا الراوي.. ونحن كذلك، فذات زيارة إلى (دار الإذاعة) دخلت مكتب المذيع عبد العظيم عوض، الدبلوماسي فيما بعد، الدكتور الآن.. جلست صامتا حتى إحتار فى صمتي فكاشفته (مالك؟!..جيت إتفسح في الإذاعة)!.. وظللت متباهيا طوال اليوم (كنت في الإذاعة)!.. الآن (كنت في الإذاعة) ووجدتهم (ما ناسنكم)- كعهدهم والحمد لله، ليت الكل يفعلها.