السودان تنقصه الإرادة السياسية لدى الجيش وليس المبادرات

رصد:(صحوة نيوز  )

يحتاج السودان إلى إرادة سياسية قوية من جميع الأطراف المعنية لحل أزمته أكثر من حاجته إلى مبادرات تستهلك وقتا بلا طائل.

وما لم تتوفر الإرادة ستواجه أحدث مبادرة طرحتها الولايات المتحدة المصير الذي واجهته سابقاتها، بما فيها مبادرة شاركت فيها واشنطن مع الرياض، عقب اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع بوقت قصير.

وتعد المبادرة الجديدة التي طرحها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لعقد اجتماع بين طرفي النزاع في جنيف، أشبه باختبار نوايا للعديد من القوى المحلية والخارجية، وجديتهم في التفاعل معها، لأنها تنطوي على ملامح تحاول تحاشي أخطاء شائعة.

وظهرت علامات تؤكد أن قادة الجيش السوداني هم أول من يفتقدون إلى الإرادة السياسية، وهو ما يجعلهم لا يتجاوبون مع التسويات السياسية، فكل المبادرات التي طرحت والاجتماعات التي عقدت أكدت عدم استعداد هؤلاء للتعامل معها بجدية، في وقت يواجه فيه الجيش خسائر كبيرة على الأرض، من المفترض أن تجبر قادته على تخفيفها من خلال الدخول في مفاوضات جادة بدلا من مزايدات وانكسارات مستمرة.

ورحّب قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بالدعوة التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي لعقد مفاوضات مع الجيش في سويسرا من أجل وقف إطلاق النار، مؤكدا قبوله المشاركة في المحادثات، بينما لم يصدر من الجيش تعليق بشأن هذه الدعوة حتى مساء الأربعاء.

ورحبت قوى سياسية سودانية بدعوة الولايات المتحدة الجيش

السوداني وقوات الدعم السريع إلى المشاركة في محادثات وقف إطلاق النار بجنيف المنتظر عقدها في أغسطس المقبل.

وقالت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) “نرجو أن تثمر المبادرة وقفا عاجلا للقتال عبر الانخراط الجاد والالتزام التام من جميع الأطراف.. الطريق الوحيدة لتجنيب البلاد شبح الانهيار الشامل هو وقف الحرب عبر الحلول السياسية السلمية”.

وكشف عضو “تقدم” اللواء كمال إسماعيل في تصريح لـ”العرب” أن مبادرات الحل السياسي للأزمة لم تتوقف، وما يعرقل نجاحها هو غياب الإرادة السياسية، ما تسبب في خسارة جهود حاولت التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وأوضح إسماعيل أن الحكم على المبادرة الأميركية سابق لأوانه، لأن تفاصيلها الكاملة لم تعلن بعد، كما أن الجيش لم يرحب بها رسميا بعد، وحال رفضها قد لا تلتئم، مرجعا عدم تحمّس الجيش للحل السياسي إلى وجود عناصر محسوبة على الحركة الإسلامية داخله، مسؤولة عن إفشال الاتفاق الإطاري قبل الحرب، وتسعى لإطالة أمد الصراع حاليا، على عكس قوات الدعم السريع التي تحافظ على تماسك مواقفها السياسية.

وأكد إسماعيل أن استمرار الحرب ليس في صالح الجيش الذي فقد السيطرة على العديد من ألويته وفرقه العسكرية، والأجدى أن يبحث عن حلول تفاوضية توقف القتال في وقت مبكر، وليس انتظار ما آلت إليه الأوضاع في الوقت الراهن.

وأشار إلى أن الحرب كشفت عن مساوئ أدلجة القوات المسلحة، وتسييس الجيش السوداني من جانب نظام الرئيس السابق عمر البشير، وأن التعامل مع الوضعية الحالية يتطلب الذهاب إلى وقف إطلاق النار، ثم التفاوض حول مستقبل السودان بعد أن حدثت تحولات عديدة في موازين القوى منذ اندلاع الحرب.

وحث التجمع الاتحادي الطرفين المتصارعين على قبول المشاركة في المحادثات والانخراط الجاد في التفاوض من أجل الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الملايين الذين تأثروا بنيران الحرب.

كما رحبت حركة تجمع قوى تحرير السودان، بقيادة الطاهر حجر،

بالدعوة الأميركية وحثت في بيان لها “الطرفين المتحاربين على التعامل مع هذه المحادثات بجدية ومسؤولية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وإنهاء هذه الحرب، ومراعاة معاناة ملايين ممن شردتهم الحرب، ومثلهم ينتظرون كارثة مجاعة تلوح في الأفق”.

وكانت الوساطة السعودية – الأميركية قد علّقت المباحثات بين الجيش والدعم السريع بعد فشلهما في تنفيذ إجراءات بناء الثقة، وتشمل إنهاء المظاهر العسكرية في المدن وإعادة توقيف قادة النظام السابق.

وذكر رئيس لجنة السياسات بحزب الأمة القومي إمام الحلو أن أحد أسباب تعثر المبادرات يرتبط بالصدمة التي تلقتها القوى السودانية منذ انقلاب أكتوبر 2021، وهو ما انعكس على تدني مستوى الأداء السياسي، وتبعت ذلك تطورات عرقلت التحول الديمقراطي وصولاً إلى اندلاع صراع أربك القوى السياسية بشكل أكبر.

ولفت الحلو في تصريح لـ”العرب” إلى أن اندلاع الحرب أدخل عنصرا جديدا على المعادلة السياسية في السودان ارتبط بالتدخل الدولي بدرجات متفاوتة، بما أضعف قوة القرار الوطني، وأصبحت أغلب محاولات الحل خارجية، وتشتت القرار المدني الذي كان بإمكانه الضغط على طرفي الصراع.

وأكد أن ردود الأفعال تجاه الحل السياسي تُظهر استجابة كبيرة للمبادرات من جانب الدعم السريع، في حين يعاني الجيش من تأثيرات سلبية لقوى داخله وخارجه تحاول إبعاده عن المسار السياسي، وتلك القوى تسببت في ضعف القرار العسكري وأظهرت تناقضا في تصريحات القيادات العليا في الجيش، وبدت استجابته لنداءات الحل مرتبكة مع وجود أصوات مرتفعة داخله تحاول إطالة أمد الحرب.

وشدد الحلو لـ”العرب” على أن مفاوضات جنيف المتعلقة بالوضع الإنساني مؤخرا حققت اختراقًا شجع الولايات المتحدة على دعوة المتحاربين إلى مفاوضات جديدة، يبرهن توقيتها على أن الإدارة الأميركية تحاول القيام باختراق في ملف السودان قبل الانتخابات.

وتراقب المحادثات المنتظرة في جنيف مصر والإمارات والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وتُبنى على منبر جدة، الذي تشرف عليه السعودية والولايات المتحدة.

والهدف من محادثات سويسرا هو التوصل إلى وقف شامل للعنف في جميع أنحاء السودان، وتوصيل المساعدات الإنسانية، وتطوير آلية مراقبة لضمان تنفيذ أي اتفاق، ولا تهدف إلى معالجة القضايا السياسية الأوسع، لكنها سوف تشدد على وجود حكومة مدنية، وأن تلعب القوى المدنية دورا مهما في معالجة القضايا السياسية والانتقال الديمقراطي.

وأخفقت مباحثات غير مباشرة، عقدت مؤخرا في جنيف برعاية الأمم المتحدة، بين وفدين من الجيش والدعم السريع في التوصل إلى اتفاق إنساني وأقرت تعهدات أحادية.

وعقد المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان رمطان لعمامرة نحو 20 جلسة مناقشات على حدة مع الوفدين خلال الفترة الممتدة بين 11 و19 يوليو الجاري في جنيف.

الجيشالسودان