تغيرت دنيتنا التى نعيش أيامها وأصبحت أجمل أيامها تحمل معها ماضى الذكريات السعيد منها والحزين، مضت عجلى كأنها تقول لنا لن أعود إليكم من جديد ونحن نسترجعها ونصوب بعض أخطأئنا خلالها لكن هيهات أن تعود مرة أخرى، وسنوات طفولتنا الأولى شهدت بداية تلمسنا للحياة وسعينا المتعثر خلالها ، فها أنت تسير خلف أباك أو على يمناه وقلبك يخفق خوفا متوجسا من تجربة جديدة تدخلها أول مرة وأنت فى سنوات لم تتجاوز السبع، ويالها من تجربة مثيرة للخوف والفرح فى وقت واحد، أنت فى الطريق إلى المدرسة ذلك العالم الذى ظل يردده أخاك أو أختك أمامك بكره تمشى المدرسة والأستاذ بجلدك جلد شديد، وينبض قلبك خافقا بشدة خوفا من ذلك العقاب الأليم، وخطواتك متعثرة وعيناك تحدقان بعيدا ولسانك لايطاوعك فى الحديث إلا أن تبلغ الى داخل المدرسة ، وعندها تشعر بأن شعورا جديدا سرى فى جسدك مابين الرهبة من نظرات المعلمين والرغبة فى الإنضمام للتلاميذ الذين تتباين نظراتهم إليك مابين مسرور ومشفق من حضورك.
وتتولد الرغبة فجأة عند التلميذ تجده يسأل زملاؤه التلاميذ أريد أن أكتب وأن أتعلم الكتابة وما أنبلها من رغبة فى البحث عن التعلم الذى يبدأ بتعلم الكتابة والقراءة معا، وتشكل الكراسة والقلم ثنائي لايمكن أن ينفصلا عن بعضهما البعض، صحيح أن العلم تطور بشكل مزهل وأصبحت أدوات التعليم متقدمة لكنها تؤدى ذات الهدف الذى يبحث عنه التلميذ، والكتابة اليدوية شكلت تطورا مفرحا للتلميذ القادم من بيئة لاتعرف شيئا عن الكتابة ، حيث كانت الأمية تحيط بأغلب مجتمعات بلادنا ولا رغبة للناس فى تعليم أبنائهم من الجنسين خوفا من هواجس زرعت فى نفوسهم أو طمعا فى أن يظل أبنائهم بجانبهم لمساعدتهم فى أشغالهم المختلفة زراعة أو رعى أو خدمة منزلية، وعندها يدفع الأبناء الثمن غاليا يلعنون حظهم العاثر الذى أوقعهم فى مثل هذه الظروف التى لا يستطيعون الفكاك منها ، وإن تعلم التلميذ الكتابة فسيكون عونا لأهله يقرأ ويكتب لهم ويكون شمعة تضئ لهم ظلام الجهل والأمية الذى يعيشون فيه، وتسمع أحدهم ينادى تعال ياولد أكتب جواب للبلد.
وعلى وقع الكتابة فتجد النشء فى بدايتها يتعثرون فى رسم حروفها الهجائية وتغلبهم عملية تجميع الحروف، وهنا يأتى دور المعلم الذى يسكب عصارة خبرته فى التعليم وتعليم تلاميذه كيف يكتبون، وإستحق المعلم ذلك المدح الشهير (قم للمعلم ووفه التبجيلا /كاد المعلم أن يكون رسولا) فشكرا لك معلمى الجليل على صبرك علينا حتى أصبحنا نستهل الكتابة ولا نخاف عندما نكلف بكتابة الجواب للبلد، وياسلام على ذلك الجواب المخطوط بخط اليد بقلم البك أو الحبر الناشف كما كنا نسميه، وكان أهلنا يفخرون بمن يكتب ويقرأ لهم الجواب حيث لا هاتف فى ذلك الزمان ليوصل رسائلهم الى أهلهم.
فالجواب عبارة عن تقرير مفصل فهو دينى وإجتماعي وإقتصادى تبدأه بالسلام والتحيات الطيبات وهى جانب دينى وإجتماعى ثم تتوسطه الأخبار الإجتماعية مفرحة كانت أم حزينة، وخاتمته إقتصادية إما طلبا بإرسال المصاريف لشراء الاحتياجات المعيشية أو مصاريف مرسلة نقدا توزع لمستحقيها وفقا لطلب مرسلها، وعندها تعم الفرحة بيوت الأهل والجيران بأن هناك جواب أرسل إلينا بسلم عليكم ورسل إلينا المصاريف ويابخت من جاته المصاريف بالتأكيد المال يقضى لصاحبه كثيرا من الإحتياجات الضرورية المساعدة فى الحياة اليومية.