الطب مهنة نبيلة وانسانية، أساسها الرحمة والعطف والحرص والأمانة ومن يزاولها لابد ان يتحلى بالأخلاق الحميدة ، لتعلق الامر بحياة الناس والتخفيف من اوجاعهم وآلامهم.
تُعتبر مهنة الطبيب أحد المهن التي يحلم بها الكثير من الأطفال في سنوات عمرهم الأولي لتحقيقها وأن يصبح طبيباً لكي يعالج ويداوي المرضى.
الطبيب يغرس معاني الرحمة بين الناس والتكافل في المجتمع حين يتضح بمهنته أنه قادر بفضل الله تعالى على التخفيف من أوجاع الناس ومعاناتهم.
الأطباء المسلمون الأوائل بحثوا وجرّبوا وعالجوا الأمراض المختلفة، وتطوروا وبذلوا قصارى جهدهم من اجل المريض فظهرت المستشفيات الإسلامية، وكان العلاج فيها بالمجان، وظهر كذلك الأطباء، وعرف المسلمون وقتها أعراض مرض الجدري، والسكر، والحصبة، وطرق الحماية منها، وعرفوا التطعيم كما عرفوا التشريح، وعرفوا الطب النفسي وعلاجه، وعرفوا طب الأعشاب، وتخصصوا في علم جبر العظام والكُلى، واكتشفوا، وعرفوا أيضاً جراحة التجميل.
وقد نبغ كثير من الأطباء المسلمين منهم على سبيل المثال: ابن سينا الذي لقب بألقاب عديدة منها “أبو الطب وأمير العلم” لما له من إنجازات عربية في الطب، وألف كتاب قانون الطب الذي أصبح نصاً أساسياً للأطباء في جميع أنحاء العالم الإسلامي وأوروبا، و”الرازي” وهو أحد أعظم أطباء الإنسانية إطلاقاً، وقبل ستمائة عام كان لكلية الطب بباريس أصغر مكتبة في العالم، لا تحتوي إلا على مؤلفٍ واحد هو كتاب “الحاوي” في الطب للرازي.
ولكن للاسف إنتزعت الرحمة من القلوب وأصبح كل شيئ فى هذا الزمان يقاس بالمكسب والخسارة فلم تعد للانسانية مكانا، والرحمة إذا انتزعت من القلوب فإن الظلم والعدوان والإثم والبغي يحلُّ بين الناس, والجشع والطمع وحبَّ الذات واستعباد الناس يضرب بأطنابه بينهم، لحلول القسوة مكان الرحمة فتكون القلوب أشدُّ قسوة من الحجارة الصماء.
فقد تحولت مهنة الطب من مهنة انسانية الى مهنة تجارة وجشع واستغلال دماء الانسانية بأبشع وسائل الاستغلال ضاربين عرض الحائط بكل القيم الانسانية النبيلة لهذه المهنة واصبحوا اطباء بلا قلوب ولا ضمائر.
هناك فئة كبيرة من الاطباء الذين يستغلون المهنة الانسانية من اجل كسب الاموال وبطرق ملتوية لا تليق بشرف مهنة الطب ولابسمعة الطبيب، قاموا برفع وزيادة أجور الفحص بشكل ملفت للنظر وبذلك اصبح زيادة عبء علي المريض.
وهناك ظاهرة اصبحت واضحة جدا الا وهي مجموعة من الاصدقاء الاطباء ذات التخصصات المختلفة اطباء ومعامل وصيدلانيات يتفق بعض الاطباء مع اصحاب المختبرات والسونار لغرض ارسال المرضى لهم مقابل حصولهم على حصة من المبالغ ومن الطبيعي حصة الطبيب تستوفى من المريض المسكين، فماذا يتحمل المريض معاناة ومآسي المرض ام كاهل اجور الطبيب والدواء والمختبر والسونار.
واحيانا تكون هناك شبكة اطباء اصدقاء ينفعون بعضهم البعض بغض النظر عن الظرف المالى للمريض، واذا قام المريض وذهب لمعمل مختلف لعمل نفس الاشعه يرفض الطبيب المعالج ويدعي ان الجودة ما عاليه ولذلك الاشعة غير واضحة وعلينا انا نلتزم بما يقول وهنا يتم ارسال المريض مرة اخرى لاعادة الفحوصات او عمل الاشعه في المركز المحدد من قبل الطبيب المعالج، اين هي الانسانية.
بعض الاطباء يتفقون مع بعض اصحاب الصيدليات كي تكون لهم حصة من المال مقابل ارسال المريض اليهم محملاً روشته الدواء، طبيب اليوم بيقوم بتعذيب المريض بدلا من علاجه وتخفيف آلامه.
تذهب للعيادة وتحجز الكشف وتنتظر وياتي مريض آخر يبدو عليه ملامح الاستعجال يساله الشخص المكلف بقطع الكشوفات وبعلم الطبيب يسال المريض ان هناك كشف مستعجل اذا لم ترغب في الانتظار والسعر ضعف القيمة الاولى، اين الانسانية اين هي القلوب الرحيمة.
وهناك كارثة اخرى وهي رفض الاطباء داخل المستشفيات استلام مريض في حالة حرجة او مصاب في حادث الا ان يضع مبلغ معين من المال تحت الحساب، الطب مهنة تتعلق بحياة بشر، ولا يمكن تصور أن يترك مصاب ينزف أو مبتور حالته خطيرة، لكونه لا يملك مالا أو أنه غير قادر على الحركة والشكوى.
يلجأ المواطن البسيط الي المستشفيات الحكومية لعلّها ترفع عنهم المعاناة وتوقف الألم، فلا يجدون سوى أطباء أياديهم خاوية، يعملون فى أماكن خربة فلا توجد أدوية ولا أوكسجين ولا دم.. “لا يوجد” هى الكلمة المأثورة فى تلك المؤسسات التى أنشأتها الدولة لعلاج الفقراء، فتحولت إلى بؤر إهمال واذا دخل المريض المستشفي يتوجه الطبيب لأهل المريض بقائمة من الطلبات شاش وقطن وحقن وبعض الادوية.. والخ.
أيها الأطباء وأصحاب الصيدليات والمهن الصحية اتقوا الله في مرضاكم ومرضى الفقراء والمحتاجين والناس، فعلى الطبيب أن يشكر الله على هذه النعمة وينوي بها التقرب إليه، ويحتسب عمله الطبي عبادة من العبادات وعليه أن يكون أميناً في عمله، فلا يغش مرضاه، أميناً على أسرارهم الجسدية فلا يفشيها، وأن يكون حسن الأخلاق مع مرضاه، رفيقاً بهم، صابراً عليهم، ناصحاً أميناً لهم.