لماذا اسقط المبعوث الأمريكي عصاه؟

بقلم :زين العابدين صالح عبد الرحمن

إذا كانت هناك قناعة عند الكل أن الحرب ليست هي المشكلة، أنما هي نتييجة لمشكلة، فهل ركزوا البحث عن العوامل التي تسببت في الحرب؟ لا أعتقد أن طريقة التفكير السائدة تأخذ هذا المسار العقلاني، أنما طريقة التفكير كانت منصبة في كيفية القضاء على الأخر.. و القضية الأخرى؛ لماذا قبلت القوى السياسية بالتدخل الخارجي في الشأن السياسي الداخلي؟ بل كان الخارج هو الذي يدير المعركة وفقا للمصالح التي يريدها هو، و لذلك كان يقدم المبادرة تلو الأخرى، و يجعل من النخب السياسيةالسودانية أدوات منفذة فقط..  لماذا قبل العقل السوداني إذا كان مدنيا أو عسكريا أن يتراجع لكي يفسح المجال للنفوذ الخارجي يفكر بديلا عنه؟ و لمصلحة من يفكر الخارج؟ و السؤال الذي يجب أن لا يغيب مطلقا من هي الجهات التي سمحت بتدخل الخارج في قضية الصراع السياسي الداخلي؟ ..

أن الحرب ليست هي كما تدعي بعض الأطراف أنها بين طرفين عسكريين، أنما المواطن الذي تم احتلال بيته و نهب ممتلكاته و تم اغتصاب حرائره أصبح جزءا في معادلة الحرب، و بالتالي أصبح موقفه و رأيه أحد محددات الصراع، و يجب أن يكون مشاركا في الرؤية الكلية لوضع الشروط التي بموجبها سوف تتوقف الحرب.. و الحرب الدائرة في السودانهي ليست صراعا داخليا تحكمه مصلح داخلية، بلهي مؤامرة خارجية على السودان تشارك فيها أطراف داخلية، و الأطراف الخارجية هي التي تعمل على توسيع دائرة الحرب حتى تتحكم في شروط وقفها؟

الغريب في الأمر: أن الصراع السياسي بين القوى السياسية دون التجارب السابقة، حيث عجزت القوى السياسية أن تجترح لها طريقا للحل، أو تقدم لها مبادرات تتضمن مشروعا سياسيا يطرح في الساحة السياسية، لكي تخلق منه حوارا يمنع بروز العنف بين المتصارعين، الأمر الذي يؤكد تراجع الوطن و حتى قضية التحول الديمقراطي في أجندة المتصارعين لصالح قضايا أخرى.. و العجز تبين بشكل واضح عندما تم إعلان محادثات جنيف من قبل ممثلي الإدارة الأمريكية، و توسيع قاعدة المشاركة في المفاوضات بإضافة كل من مصر و الأمارات، و الكل يعلم أن الأمارات هي الداعم المباشر للميليشيا، و لم يكشف المبعوث الأمريكي توم بيرييلو الهدف من دعوتها رغم أن السلطة في السودان مدنية و عسكرية رافضتا وجودها.. و هذه وحدها تبعث الشك في المسعى.. رغم أن توم بيرييلو قال أن المفاوضات الهدف منها هو خلق مسارات أمنة لتوصيل الإغاثة للمتضررين.. لكنه أيضا قال أن هناك مدنيين يطالبون بتدخل دولي و تحت البند السابع.. و قال بيرييلو أن البند السابع يجب أن يصدر من مجلس الأمن، و لكن الصراع الإستراتيجي داخل المجلس لا يسمح بذلك..

أصبحت القوى المدنية التي أشار إليها المبعوث الأمريكي توم بيرييلو، لا تريد وقف الحرب بالتفاوض، و لكنها ساعية بتوسيعها من خلال تدخل خارجي.. أي اتساع دائرة الحرب بقوات من الأمم المتحدة.. أن الحرب الدائرة في السودان ليست حرب سياسية محدودة الأجندة، أنما حرب وجود من خلال جلب مرتزقة يقاتلون مع الميليشيا بهدف توطينهم في منازل الذين نزحوا بسبب الحرب .. أن العقل الخارجي الذي كان وراء الحرب لتحقيق مصالحه سوف يظل يتأمر، يوقف الحرب لإعادة تأهيل الميليشيا مرة أخرى، و يعيد الكرة، مادام هناك قوى داخلية تقبل التدخل إذا كان في ذلك رضي لمصالح شخصية.. و سوف أظل اسأل سؤالا كررته عدة مرات، و سألته من قبل قضية الاتفاق الإطاري لقيادات في أغلبية الأحزاب المشاركة في ” قوى الحرية و التغيير” من الذي كان وراء ترشيح عبد الله حمدوك لرئاسة الوزراء؟

أن القوي السياسية السودانية هي القوى الفريدة في العالم التي لا تستطيع حل مشاكلها لوحدها،دائما تقبل التدخل الخارجي في حل المشاكلالداخلية، إذا عجز العقل السوداني عن حل المشاكل التي تواجهه، و يهرول دائما للخارج، كيف يستطيع هذا العقل أن يقنع المواطن أنه سوف يستطيع أن ينهض بالبلاد و يفر لها الاستقرار الاجتماعي و السياسي و الأمني مستقبلا.. فهل توم بيرييلو يملك عقلا أفضل من عقول السودانيين، أما العصى التي يلوح بها هي التي أدخلت الفزع عند البعض و اعتقدوا أن ما تفعله العصى هو الأفضل..الغريب أن توم بيرييلو اسقط العصى التي كان يلوح بها عندما أصرت السلطة في السودان على موقفها الرافض الذهاب لجنيف حتى تقبل شروطها، و لم تدر بالا للتهديدات.. نسأل الله حسن البصيرة..

الزينصالح