بقلم::زين العابدين صالح عبد الرحمن
أن التطورات الميدانية للعمليات العسكرية بالضرورة لها انعكاساتها السياسية، و تصبح الأجندة السياسية مرتبطة بما يحدث في ميدان المعركة، و وفقا لها تتغير الأجندة باستمرار.. خاصة أن الحرب الدائرة الآن في السودان ليست حرب داخلية ذات أجندات وطنية مختلفة، تطورت إلي استخدام أدوات عنف بين المختلفين، أنما سبها التدخلات الخارجية و محاولات فرض أجندة لمصلحة الداعمين الخارجيين لفصيل بعينه في الحرب، يعتقدون هو الذي سوف يحقق لهم أجندتهم إذا كسب الحرب.. و إذا كانت هناك قوى سياسية لها أثرا وسط القطاعات الجماهيرية، كان يمكن أن يكون لها القدرة على فرض أجندة مغايرة تستطيع من خلالها أن تؤثر في مسار الحرب، و لكن من واقع التطورات الميدانية نجد أن العسكر وحدهم هم الذين يحددون شروط الفعل السياسي،وفقا للتطورات الميدانية، و بالتالي تصبح العملية السياسية مرهونة برؤية القيادة العسكرية، خاصة بعد ما كسبت القيادة العسكرية قاعدة عريضة من المجتمع و أصبح هو الذي يفرض شروط مسارها بمواصلة الحرب حتى انتصار المؤسسة العسكرية أم بعملية تفاوضية..
عندما كان الجيش في مرحلة الدفاع عن وحداته و أماكن تمركزاته و قواعده العسكرية، كانت القيادة العسكرية تتحدث عن مواصلة العمليات العسكرية و لكنها أيضا لا ترفض العملية التفاوضية إذا انجزت الميليشيا أتفاق جدة الذي كانت قد وقعت عليه في 11 من مايو 2023م، و أيضا كانت تقبل كل دعوات التفاوض من المجتمع الدولي و من الاتحاد الأفريقي و الإيغاد، و لكن بعد انتقالها من الدفاع إلي الهجوم، و بدأت الميليشيا تفقد قوتها الصلبة، و بدت مجموعات متفرقة في مناطق أنقطع منها التموين، أصبحت تتحدث عن القضاء على الميليشيا دون أن تتحدث عن التفاوض، باعتبار أن الدعم الشعبي شكل لها ركيزة أسياسية في طرح الأجندة وفقا للمتغيرات التي تحدث في ميدان العمليات.. هذه التطورات كان لها أثرا سالبا على القوى السياسية المؤيدة للميليشيا إذا كان تأييدا سياسيا أو تأييدا لمصالح ذاتية.. هؤلاء عجزوا عن مجارات التطورات العسكرية و رفدها بأجندة سياسية لأنهم منذ البداية اعتمدوا على الخارج أن يشكل لهم سندا في العملية السياسية، و أصبح الخارج نفسه عاجز أن يفرض شروطا تجعله يخسر أجندته مستقبلا.. لآن الدول تتلون في مواقفها وفقا لمصالحها و لا تغلق الأبواب على نفسها.. لذلك نجد بعض القوى السياسية التي تتعاطف مع الميليشيا تحاول أن تغير في أجندتها على استحياء..
أن التغييرات الميدانية الكبيرة التي تحدث في ميدان لصالح القوات المسلحة، لابد أن تتبعها تطورات سياسية تنقل الأجندة لصالح القوى التي سوف تكسب الحرب، فهي التي تدير الإثنين معا، العملية العسكرية و السياسية، حتى لا يحدث أي يشرخ في جدار القوى المتحالفة مع الجيش، و حتى تستطيع القوى العسكرية بكل مكوناتها أن تؤمن أمن البلاد و وحدتها و أمن المجتمع.. و أيضا تخلق البيئة الملائمة للعملية السياسية مستقبلا.. فالانتصارات التي يحقق الجيش الآن في العديد من المحاور، سوف تدفع الميليشيا نفسها أن تحاول تقديم مبادرات تضمن بها الاحتفاظ لها بموقع قدم مستقبلا.. و هذه مرهونة بسير العمليات و قدرت عناصر الميليشيا و القوى السياسية التي تتحالف معها على المناورة و التكتيك، إلا أن التطورات المتسارعة بينت أن الجناح السياسي للميليشيا عاجز أن يقدم أطروحات تجد القبول من قبل القيادة العسكرية أو من قبل الجماهير داخل السودان؛ لذلك أصبحوا ينتظرون أطروحات القيادات العسكرية و يعلقون عليها، حتى النخب المؤيدة للميليشيا و ترفع شعار ” لا للحرب” في استحياء للتأييد المباشر للميليشيا هي نفسها أصبحت تدور حول نفسها دون أن تقدم أي مبادرات تفتح حوارا في الساحة السياسية. لذلك أصبح الكل من دعاة ” لا للحرب” جعل أنفاسه مرهونة تصاعدا و هبوطا مع سير العمليات العسكرية..
أن أخر أجندة سياسية قدمتها القيادة العسكرية على لسان مساعد القائد العام للجيش الفريق أول ياسر العطا عضو مجلس السيادة، أن سلطة ما بعد الحرب لابد أن يكون للجيش فيها موطيء قدم لحفظ الأمن في البلاد و خلق البيئة الصالحة للعملية السياسية، و أشار في حديث لم يقدم فيه تفاصيل لابد للقائد العام للجيش أثرا كبيرا فيه.. و هذه ربما تفرض أجندة جديدة بدلا من أن تكون هناك فترة انتقالية تنتقل البلاد للشرعية الدستورية بانتخاب رئيس للجمهورية، يؤيد فيها الجيش ترشيح قائده العام لرئاسة الجمهورية، و هذه الفكرة سوف تجد تأييدا كبيرا من من قبل قطاع جماهيري واسع تبدأ بالمكونات الأهلية التي كان يستقبلها القائد العام في بورتسودان، لآنها كانت زيارة تقدم صكوك تأييد سياسي.. هذه الأجندة التي تتغير وفقا لتطورات العمليات العسكرية، نجد أن القوى السياسية عاجزة أن تؤثر فيها و لا توقفها، و القوى السياسية التي تقف مع الميليشيا أو التي تحاول أن تتحصن بشعار ” لا للحرب” و قلبها مع الميليشيا، عليها أن تنتظر موعد الانتخابات لكي تقدم نفسها للجماهير، و القوى الوحيدة التي تستطيع أن تؤثر في أجندة القيادة العسكرية هي القوى الشعبية التي تقف الآن مع الجيش، و تقاتل معه في ساحات المعارك، فهي قوى المستقبل.. نسأل الله حسن البصيرة..