سلم الأولويات و حكم سياسة ما بعد الحرب

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن

أن العمل السياسي ما بعد الحرب محكوم بسلم الأولويات الذي فرضته دواعي الحرب، التي بينت أن القوى السياسية التي أوكلت إليها العملية السياسية و عملية التحول الديمقراطية لا تملك أي مشروع سياسي و عجزت أن ترتب أولوياتها، كما عجزت أن تدير معركتها السياسية من أجل خلق بيئة سياسية صالحة تساعد على عملية التحول الديمقراطي، و أيضا فشلت في التغلب على التحديات التي كانت تواجهها، مما يؤكد أن قدراتها لم تكن قدر التحدي، الأمر الذي قاد للحرب التي تعتبر أعلى درجات الأزمة السياسية، هذا الفشل و العجز في القدرات كان لابد أن ينظر إليه بموضوعية و منهج نقدي يبين اسباب الفشل و العجز، و لكنها فضلت أن تصبح أداة لأجندة خارجية توظفها كما تشاء.. هذا التحول في الساحة السياسية كان لابد أن يخلق واقعا جديدا للتفكير.. و أيضا يخلق قيادات جديدة لمرحلة ما بعد الحرب، تتجاوز أسباب الفشل السابقة و تؤسس لواقع سياسي جديد محكوم بسلم أولويات معروف و محدد للكل لا يتم تجاوزه..

كررت القيادات العسكرية التي تقود المعارك ضد الميليشيا، و في ذات الوقت تدير دولاب الدولة، أن الحرب تعتلي سلم الأولويات و يجب أن لا يتم تجاوزه، و في أخر حديث للفريق أول شمس الدين الكباشي في مصنع سكر غرب سنار أشار إلي “سلم الأولويات” بالقول ( لا تفاوض مع الميليشيا و لا وقف لإطلاق النار حتى القضاء عليها تماما، و لا حديث في السياسة إلا بعد وقف الحرب ثم البدء في عملية التعمير و إعادة البناء).. فالحرب تمثل أعلى درجات سلم الأولويات، و أن أغلبية شباب السودان الذين لبوا نداء الوطن في الاستنفار و المقاومة الشعبية بهدف الدفاع عن وحدة البلاد و استقلالها، و التصدي للمؤامرات الخارجية الآن هم مشغولون بالعمليات القتالية، و هؤلاء هم الذين سوف يشكلون القاعدة الأساسية للعملية السياسية ما بعد الحرب، أن أنتهاء الحرب و رجوع هؤلاء المستنفرين و المقاومة الشعبية إلي مناطقهم بعد ذلك تبدأ الخطوات الأولى للعملية السياسية من خلال انتخابات للمجالس المحلية، و بعدها انتخابات النقابات العمالية و المهنية و المزارعين، و الهدف منها أن لا تخرج أي مجموعة سياسية أو حزب يتحدثون بلسان الجماهير دون أن يكون  لهم تفويضا منها.. و انتخابات المجالس و النقابات تعتبران العمود الفقري في إدارة الصراع القاعدي..

أن القوى السياسية يجب أن تتحاور في ” سلم الأولويات” و تقدم رؤاها إذا كانت تختلف مع هذا السلم، بدلا من البحث عن صغائر الأشياء ” عبد الحي قال ” الكل يخرج مهللا بما قال عبد الحي، الأمر الذي يؤكد أنها نخب ليست لها أي رؤى غير البحث عن صغائر الأشياء.. هو الإفلاس بعينه، و الغريب الأمر أن هؤلاء جميعا يوميا يملأون وسائل الاتصال الاجتماعي بمقالات التخزيل ضد الجيش و قائده ” الكيزان و الفلول” أن الحركة الإسلامية لم تجد طوال تاريخها السياسي رواجا و دعاية لها إلا بعد ثورة ديسمبر التي كشفت عجز النخب و حالة الفقر الثقافي و المعرفي الذي تعيش فيه.. و لذلك عجزت عن مقابلة الحجج بالحجج و ذهبت إلي استخدام الفزعات لكي تغلق باب النقد الموجه لها..

أن الذي ينظر إلي الساحة السياسية قبل الحرب و بعد الحرب يجد أن القوى السياسة ليس لها أي مشاريع سياسية تقدمها، فقط شعارات تدل على حالة الفقر التي تعيش فيه، و حتى المشروع الذي كان مطروحا في الساحة ” الأتفاق الإطاري” هو مشروع أمريكي عجزت النخب السياسية أن توصله إلي غايته.. كما قال مريم الصادق لقناة الجزيرة مباشر ” نحن أخطأنا عندما رفضنا مشاركة الأخرين” و اعتقدوا أنهم بمناصرة الخارج سوف ينتصرون، و لكن حالة البؤس السياسي التي أداروا بها الإزمة كانت نتيجتها الحرب، و فقدان الشارع تماما، الأمر الذي جعلهم في حالة من الترحل المتواصل بين العديد من مدن دول الإقليم أو أوروبا بحثا عن سلطة أهملوا فيها و عجزوا عن إدارتها..

أن ترتيب الأولويات هو المفهوم الذي يمثل الركن الأساس لمستقبل العملية السياسية في السودان، و بالتالي هو المحور الذي يجب أن يفتح الحوار حوله بعيدا عن حالة الإسفاف و التنطع السياسي التي درج عليها البعض، و هو المحور الذي تترتب عليه كل أجندة محور التساؤلات.. التحول الديمقراطي سوف يبدأ من القاعدة و ترتقي إلي أعلى، و كل مرحلة لابد أن تمر بصناديق الاقتراع لكي تخرج شرعيتها.. و إذا أقرت القاعدة أن يتم انتخاب لرئيس الجمهورية ترشحه هي لكي تتحول البلاد إلي الشرعية الدستورية هي أيضا قضية حوار.. و هي الطريقة الأسرع ثم يدعو رئيس الجمهورية لحوار وطني ” مؤتمر دستوري” بهدف الوصول للتوافق الوطني لصناعة دستور دائم للبلاد. و التحضير لانتخابات عامة في البلاد.. كل ذلك مرهون أن تتحول الأحزاب إلي مؤسسات ديمقراطية ليست أسرية أو تابعة لشللية كما هو الآن.. نسأل الله حسن البصيرة..

الزينصالح
Comments (0)
Add Comment