تقسيم السودان.. نهاية صراع.. وبداية مواجهة
فرغت قبل فترة ، من قراءة أحد أهم المراجع السّياسيّة المرتبطة بقضية جنوب السّودان ، الذي إنفصل وتحول الى دولة مستقلة قبل نحو عقد من الزمان ، والمرجع المشار إليه ، دراسة علمية محكمة ، أعدّها الدكتور عبد الرحمن خضر حسن ، تحت عنوان (الأبعاد الدينية والسياسية لقيام دولة جنوب السودان .. وتأثيرها على المحيط العربي والاسلامي – دراسة علمية محكمة -) .
وقدم لهذه الدراسة القيّمة كُلّ من البروفيسور أحمد ابراهيم أبوشوك أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة قطر بالدوحة ، والدكتور إسماعيل عثمان محمد الماحي ، الذي إستند على خبرة في جولات التفاوض بين الحكومة السودانية وحركات التمرد في دارفور السّودان ، بينما حكّم تلك الدراسة كُلّ من البروفيسور حسن حامد حسين مشيكة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم ، والدكتور صالح أحمد التوم ، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم وعضو إتحاد البرلمانيين العرب في ذلك الوقت .
حج عام 1435هـ الذي صادف العام 2014 م ، كان فرصةً طيّبة للوقوف على أبعاد قضايا الجنوب ، وإرتباطها بالوطن الكبير ، إذ كُنّا رفقةً واحدةً ، مع الدكتور عبد الرحمن خضر حسن ، ولم يغِب جنوب السّودان المنفصل عن حواراتنا طوال رحلة حجّ ذلك العام ، على إعتبار إن ذلك همٌّ قومي ، مرتبط بالأمن الوطني في كلياته الإجتماعية والإقتصادية والدينية ، وقد إلتقينا هناك في الأراضي المقدّسة بالدكتور إسماعيل عثمان الماحي ، الرئيس العام لجماعة أنصار السُنّة المحمّديّة ، وثاني إثنين قدّما لذلك الكتاب القيّم ، وكانت اللقاءات فرصة للتعرّف على رؤية جماعة انصار السنة المحمدية السّياسيّة والعامة لقضية إنفصال جنوب السّودان .
هناك وعلى صعيد عرفات الطاهر إلتقيت بمجموعة كبيرة من حجاج دولة جنوب السّودان ، زاد عددهم عن المائة كُنّا في مخيّمٍ واحد ؛ وقد لفت إنتباهي غضب بعض حجاج دولة جنوب السّودان عندما وجدوا إن علم جمهورية السّودان وضع فوق العبارة التوضيحية على باب مخيّم حجاج دولة الجنوب ، وقام بعضهم بحجب علم السّودان بورقة بيضاء ، فقلت له إن حدث لنا هذا الأمر ما كُنّا سنغضب هذه الغضبة ، لأن الروح واحدة لكنها حلّت في جسدين .
هناك إلتقيت بالأخ (الحاج) متوكّل الذي كان مديراً لمكتب الفريق سلفاكير ميارديت ، عندما كان الأخير نائباً اول لرئيس جمهورية السودان قبيل انفصال الجنوب ، وبيننا معرفة منذ ذلك الوقت وقد نادى علىّ مذكّراً بنفسه وقال لي (أنا دينكاوي جعلي… ابوي من أم دوم وأمي دينكاوية) وإلتقيت بأكثر الحجّاج من أبناء دولة جنوب السّودان ، وقد وجدتهم من أكثر النّاس حرصاً على أداء مناسك الحج على وجهها الصحيح .. فتذكّرت لحظة ذاك ، كتاب الدكتور عبد الرحمن خضر حسن الذي أهداني نسخة منه قبيل أداء الفريضة بأيام قليلة ، وقد تصفّحته وقتها على أمل قراءته لاحقاً حتى أقف على مسارات البحث التي سار عليها الباحث للكشف عن الأبعاد الدينيّة والسّياسيّة لقيام دولة الجنوب ، وتأثيرات تلك الأبعاد على المحيطين العربي والإسلامي .
البحث القيّم يقوم على عنوان خطير هو (تقسيم السودان: نهاية صراع .. وبداية مواجهة) ، ثم يتحول الى مشروع تنصير الجنوب ودور الإستعمار والإرساليات التبشيريّة ، ومحاولات الفاتيكان الأولى للتنصير ، ثم محاولات إقصاء الإسلام من جنوب السودان في الحقبة الإستعمارية ، مع محاربة اللغة العربية ، والحلم الغربي بتحقيق مشروع الدولة المسيحية .. و و و و .. وتفصيلات دقيقة عن هذه القضية الخطيرة التي يرى البعض أنها قد توقفت عند حد الإنفصال ، لكنها تأخذ الآن في التحوّل نحو مآلات ونتائج أخرى قد لا نتوقعها ، لن تهزّ الجنوب وحده .
شكراً للدكتور عبد الرحمن حسن خضر على بحثه القيم الذي نأمل ان مكانه المستحق في مراكز دعم واتخاذ القرار بالسودان .
Email: sagraljidyan@gmail.com