بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
إن القرار الذي أصدرته دائرة الطعون بالمحكمة العليا بإعادة مواطنين لوظائفهم، خاصة في مؤسسة القضاء والنيابة العامة، كان قد تم فصلهم بوقت سابق بموجب قرارات صادرة عن “لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال”.
السؤال هل الأحزاب القابضة على زمام أمر السلطة سوف تحترم قرار المحكمة، وتجعل الجدل القانوني هو سيد الأمر أم أنها سوف تسلك دروباً أخرى؟ كما قال وجدي صالح عضو اللجنة في مؤتمره الصحفي لنا دروب أخرى؛ ولم يعرف ماهية الدروب الأخرى.
أن الصراع السياسي في السودان بالضرورة لن تكون له حدود محددة، ولن يسير في طريق مستقيم، بل سوف تتنوع فيه الأدوات والقضايا، لأنه تحول من صراع من أجل بناء الوطن إلي صراع رغبات خاصة وحزبية وسط المكون المدني.
فالصراع داخل المكون المدني هو الذي يعطي الفرصة الأكبر للمكون العسكري لكي يفرض شروطه، لأنه يقسم رأيات المجتمع، ومعلوم أن الوثيقة الدستورية هي بمثابة مساومة سياسية بين الطرفين تحكم الفترة الانتقالية، ويجب أن تستمر هذه المساومة حتى الانتخابات، على أن تنحصر في القضايا المنصوص عليها في الوثيقة، والذين يريدونها مدنية كاملة الدسم عليه الدعوة لانتخابات مبكرة هي الحالة الوحيدة التي لن يدخلها العسكر.
أن فتح جدل قانوني ضمن الصراع السياسي، يحتاج لقدرات عالية من قبل المكون المدني، والقدرات المتواجدة الآن في الساحة قد بينتها الوثيقة الدستورية التي تحتوي على عدد من الثقوب، والوثيقة الدستورية كانت تحتاج لخبرات متمرسة في القانون الدستوري تضبط الفترة الانتقالية والشراكة بين المدنيين والعسكر، ولكن الوثيقة الحالية لا ترقى أن تكون وثيقة جاءت بعد ثورة عظيمة، وقد تم أنتقادها من قبل العدد من خبراء القانون الدستوري في السودان.
وهذه معضلة أن القوى السياسية المتحكمة في الساحة تقدم عناصر ذات كفاءات متواضعة، وكان من المفترض أن تملك عناصرها قدرات عالية يمكن الاعتماد عليها.
وإذا رجعنا للمقولة التي أطلقها الفريق أول البرهان على عضو مجلس السيادة محمد الفكي بأنه مجرد ناشط سياسي، هي مقولة مستلفة من رئيس الوزراء الأثيوبي، عندما دخل في وساطة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير. قال في وصفه لعناصر قوى الحرية والتغيير هؤلاء ليسوا سياسيين لكنهم ناشطين سياسيين.
وهناك فرق كبير بين السياسي والناشط، باعتبار أن الناشط أكثر حماسا وتسرعا في تقيمه للقضايا المطروحة، إلي جانب انه يمكن أن يكشف كل أوراقه للجانب الآخر باعتباره تحدي دون أن ينظر إلى أوراق الضغط التي يمتلكها، والأوراق التي يمتلكها الجانب الآخر.
فالسياسي يكون أكثر بروداً في الصراع دون أن يثار، ويحاول دائما أن يكشف أوراق الجانب الأخر، ويعرف الأدوات التي يعتمد عليها، والسياسي يستطيع أن يفتح العديد من الملفات في وقت واحد التي تشكل كروت ضغط علي الجانب الأخر وتشل تفكيره تماما.
أن قرار دائرة الطعون في المحكمة العليا إذا تعاملت معها لجنة إزالة التمكين بعدم المبالاة، ومحاولة الهجوم السياسي تكون قد خسرت معركتها، وهو باب أيضا فتح إذا كان قانوني فقط أو محاولة سياسية أن ينقل الصراع لدائرة يتم فيها أختبار القوى القابضة على السلطة، ولا تنفع معه إلا الأدوات القانونية، خاصة الكل يتحدث عن عملية التحول الديمقراطي.
لكن المؤتمر الصحفي الذي عقده وجدي صالح أثبت أن اللجنة تحتاج لكوادر أكثر تأهيلا، ولها خبرة كافية بالقانون. ونسأل الله حسن البصيرة.