بصمات واضحة.. تجارب استثنائية.. مفردة جديدة ونقلة كبيرة
تقرير : ولاء عبدالله عوض
يعتبر الغناء بشكل عام من اهم وسائل التعبير عن المشاعر وقد اكتسب الغناء السوداني ثراءه من مزجه للفن العربي والافريقي والتنوع الثقافي داخل السودان.
كل ذلك انعكس علي تعدد الانماط والايقاعات الموسيقية، وظل الغناء في السودان باشكاله المختلفة موجوداً في كل مناسباتنا الاجتماعية.
ظهور الأغنية السودانية بشكلها الحديث يعود نسبياً إلى ثلاثينيات القرن الماضي، ومن ثم تطورت سريعاً حتى وصلت قمة الازدهار في منتصف الخمسينيات من القرن نفسه، حيث ارتبطت بالحركة الوطنية وأشواق الشعب في الاستقلال من الاحتلال البريطاني.
لكن بشكل عام ظلت حركة الغناء في السودان وثيقة الارتباط بالمجتمع وتفاصيل حياته اليومية، فضلاً عن كونه يتسم بأبعاده الاجتماعية ودلالاته الإنسانية.
وظل الغناء السوداني يتطور يوماً بعد يوم حيث هناك كثير من الفنانين كانت لهم بصمة واضحة في خارطة الفن السوداني وبذلوا جهوداً مقدرة وساهموا اسهاماً واضحاً في تطوير الأغنية السودانية.
سرور اول مجدد للغناء السوداني ونشره خارج الحدود
وعندما نذكر تطور الاغنية السودانية لابد ان نتطرق لمسيرة سرور والذي يعتبر صاحب الفضل الأكبر في تطور الغناء السوداني وهو من ابتدع الأغنية الحديثة، إذ انه أول من استخدم آلة الرق في الغناء السوداني حيث اتى به سرور من مصر في الثلاثينات وعرفها عند اصحاب الطرق الصوفية.
كما ان سرور أدخل بعض الآلات الموسيقية الخاصة مثل آلة القربة الاسكتلندية وهي موجودة في بعض تسجيلاته، وآلة الكمان، وعند افتتاح الإذاعة السودانية في أولى أيامها يغني سرور بعد الأخبار بمصاحبة العود والعازف يني.
ويعتبر سرور هو اول مطرب سودانى تنشر اسطواناته خارج حدود البلاد، فبعد ان سجل اغانيه على حسابه الخاص وباع جزءا منها في الخرطوم وامدرمان كان يبيع الباقى في أديس أبابا وأسمرا، كما كان هو أول مطرب سودانى يخوض تجربة الإنتاج الخاص بالقاهرة.
وكون سرور أول ثنائي مع الشاعر العبادي سنة 1919وبظهورهما انتقلت الاغنية السودانية من أغنية “طنباره” إلى أغنية حديثة، ومن أشهر أغنيات الثنائي:
ببكي وبنوح وبصيح للشوفتن بتريح فرع النقا المميح منو المسك بفيح وكتين صباحنا يبيح بلبل قلوبنا يصيح.
لعب سرور دورا مهما في تغيير شكل الأوتار في منطقة وسط السودان وذلك عندما حاول التخلص من الطنابرة واستبدالهم بمجموعة الشيالين “لكورس”.
لقب سرور بعميد الفن نسبة لجهوده الكبيرة وبصمته الواضحة وتطويره للفن والغناء السوداني وكان قد اطلق عليه هذا اللقب الامير عمر طومسون باشا وقلده نيشاناً اعترافاً بابداعه كمان.
الاغنية السودانية بلونية ومفردة جديدة
كان المجتمع السوداني في بدايات القرن الماضي محافظاَ ونادراً ما يلتقي العاشق بمحبوبته ولكنه عندما تحين الفرص يظفر بنظرة ناهيك عن محادثتها بل يفتعلون الحوادث حتي يرون المحبوبة ومعظم هؤلاء المبدعين قمعهم النظام الاجتماعي فتزوجوا بنات عمهم كعامة السودانيين في ذلك الوقت.
لكنهم تغنوا بمعشوقاتهم حتى السابق لو كانت المعشوقة من صنع خيالهم وكانوا صادقين في مشاعرهم، لذلك عاش معظم هؤلاء في وله ووجد وهيام ولم يرتووا أبدا من الحب، وإنما لازمهم العذاب في غرامهم، ومعظم اغنبات الحقيبة ذكرت فيها الدموع ووسائل التعبير عن الألم من آهات وتوجع.
وأول أغنية سودانية صرخ فيها العبادى بأعلى صوته باكيا نائحا،
ببكى وبنوح وبصيح للشوفتن بتريح
فرع النقا المميح
منه المسك يفيح
وقتين صباحه يبيح
بلبل قلوبنا يصيح.
والتعبير عن الحزن بالبكاء بالصوت العالي عند السودانيين مألوف عند الرجال والنساء خاصة عند الوفيات، ولكن العبادى بكى في ساحة الجمال، ولم يقف العبادى عند هذه الأغنية بل استصحب معه دموعه في معظم أغانيه، وفى أغنيته الرائعة حليل رياضنا الغنا صداح هزارها.
وجاء ايضا الشاعر اسماعيل حسن وجدد بالأغنية السودانية، وهو شاعر ستظل ذكراه متقدة للأبد في الذاكرة، فهو واحد من أعظم الشعراء الذين كتبوا الشعر واضاف له لونية جديدة.
حيث انه اول من استعمل تأنيب المحبوب في “بعد ايه” وتفرد وتميز وشكل اجمل ثنائية مع وردي وتغنى له آخرين ايضا ولكن ستظل تجربته مع العملاق محمد وردي هي الأبرز في مجال الثنائيات الغنائية التي اشتهرت في زمان ما، وقدم إسماعيل حسن ووردي أعذب الغناء الذي ما زال حتى اليوم يحمل ذات الألق والجمال ..
نواصل؛