آلاء الحسين تكتب: اللصوص والسربعة 

لا أعتقد أن كلمة “سربعة” موجودة في العامية السودانية، ولكنها تتردد كثيراً في المسلسلات المصرية، وهي كلمة صوتية لا أظن أن لها أصل لغوي، كغيرها من الكلمات الصوتية السائدة عندنا مثل لهوجة ولكلكة ودغمسة، وأخيراً رمتلة وطعمجة، وهي تأتي في سياق الاستعجال على الشيء بلا ترتيب ولا استعداد أو قدرات.

وهذا ما يحدث بالضبط هذه الأيام، حيث امتلأت الأسافير بنغمة تسليم السلطة، وهذا أول الأخطاء وينم عن جهل فاضح بحقيقة الأوضاع، وهذه هي مصيبة الأسافير، كل من هب ودب، امتلك هاتفاً وباقة انترنت صار يفتي “عمَّال على بطال” دون دراية أو تبصُّر.

مبدئياً ليس هناك سلطة يتم تسليمها، فالسلطة بالكامل سُلمت للحكومة المدنية من اليوم الأول، وصلاحيات تعيين الوزراء والولاة، أعطيت بالكامل لرئيس الوزراء، وهنا بدأت “العواسة” والتدهور “والخرمجة” والصراع على الكراسي والتكالب على المخصصات، والمحاصصات، ودولارات المنظمات، التي قيل إنها بآلاف الدولارات للوزير الواحد، ومكتب حمدوك وشلتهم، والكل كل همه كم سينال من الكعكة، والوطن والمواطن في خبر كان، وآخر ما يخطر على البال، هذا إذا بقي في البال مساحة للوطن والمواطن، والنتيجة كما يرى الجميع تدهور في كل مكان والخراب طال كل مرفق.

وقبل المطالبة بالجديد، أنظروا ماذا فعلتم بالقديم، فأنتم أشبه بالتلميذ الخائب الذي يفشل في أداء واجبه ويتطلع إلى نيل الجوائز، وقبل المطالبة بأي شيء عليهم الإجابة ماذا تم في الآتي والذي هو من صميم واجبكم قبل الانتقال.

بداية تكوين المجلس التشريعي، الذي يناط به، مراقبة الجهاز التنفيذي وضبط أدائه، وكشف الفساد والتجاوزات والارتزاق والعمالة وقبض الثمن، وبالـتأكيد لن تسعى القوى التي اختطفت الثورة، والمهيمنة على مقاليد الأمور لتكوين هذا المجلس ولو استمرت الفترة الانتقالية مائة عام، لا يعقل أن ينفطم الانتهازي من الثدي الذي منه يرضع ويمتص خيرات البلاد حارماً منها الفقراء والمحتاجين.

وماذا تم في المحكمة الدستورية، ومفوضية صناعة الدستور، والمجلس الأعلى للقضاء، المجلس الأعلى للنيابة، لتراقب المسار، وتكون ملاذا للمتظلمين، والحكم على قانونية ودستورية القرارات، بالطبع لن يرغب المغتصب للحقوق أن يأتي بجهاز ينزع عنه ما اغتصبه.

أما مفوضية مكافحة الفساد، فهي لن ترى النور أبداً، فكيف للفاسد أن يحفر قبره بيديه، فهم على علم بأنهم أول من سيحترق بنار هذه المفوضية، ثم ماذا تم في تكوين مفوضية الانتخابات، وقانون ولوائح الانتخابات، ومجالس المحليات؟.

ثم نأتي إلى استكمال ملف السلام، والكل يعلم أن سلام جوبا، جاء ببعض القيادات الذين كانوا في المنافي والعواصم، وقواتهم إن وجدت فهي بعض شراذم متفرقة في دول الجوار والبعض يقاتلون كمرتزقة في ليبيا، ولم يقدموا غير المزيد من الانفلات، وإرهاق خزينة الدولة المرهقة أصلاً، بإيوائهم وإعاشتهم، مما سيشجع الآخرين على التمرد، ما دام يأتي بهذه المخصصات ويوفر “الرمتلة” والمعيشة المجانية، وما زال البعض خارج عملية السلام، بل في واقع الحال الفصائل المؤثرة كالحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، والتي لا تزال محادثات السلام معها تتعثر.

أما مسار الشرق فهو معضلة أخرى ليس هناك من هو مؤهل لحلها سلمياً غير القوات المسلحة، ممثلة في القائد العام ورئيس مجلس السيادة، وبما أن حلها هو من واجبات الحكومة، فعليها أن تعلن عجزها.

أما الحديث عن الوثيقة الدستورية وما أدريك، فهي يرحمها الله قد ماتت يوم ولادتها، لأنها ولدت مسخاً مشوهاً، لم تعبر عن تطلعات الثوار ولم تراعي مقدرات الشعب السوداني، بل مكنت للعصابة التي تقاسمت الغنائم، والأهم من كل هذا أن الأجل المضروب وفقاً للوثيقة المضروبة هو شهر يوليو وليس الآن، ولتهدأ حمى التنافس على منصب رئاسة المجلس السيادي الانتقالي، فهناك الآن العديد من الأشخاص، بما فيهم الدبدوب المنقة، يتطلعون وقد حضروا الجاكتات وكل أدوات الإفك الاجتماعي للمنصب الجديد.

قبل الحديث عن الانتقال يا هؤلاء، عودوا وأنجزوا ما عليكم للتهيئة، وذلك بالنظر إلى الكراسة آنفة الذكر، كراسة التلميذ الخائب المليئة بالعلامات الحمراء، فالسيادة ليست أمراً سهلاً، فهي رمزية الدولة وسيادتها وعزَّتها وكرامتها، وبالمناسبة ليس فيها مخصصات، ولا غنائم، بل فيها المزيد من الرهق والسهر وجبال من الهموم. فما في داعي للسربعة.

السيد الرئيس إلى متى الانتظار، التأخير في حسم الأمر يجعله أكثر تعقيداً، وأرجو ألا تنسى أن القوات المسلحة لا تزال هي الضامن لأمن وسلامة الوطن.

السودانالوثيقة الدستوريةتسليم السلطة