أشعر بأنني مَدِينٌ بالاعتذار المصحوب بالخجل إلى هذه القامات التي حملت الوطن بكل الكبرياء والشموخ، أقول الأزهري المُعرَّف بالألف واللام، وليست هذه النكرات التي انشرت مثل السرطان ، هؤلاء الذي سمَّاهم آباؤهم تيمناً بالأزهري، فكانوا مسوخاً مشوهة “Negative” لا تمت إلى الصورة الأصل بصلة.
جاءني هذا الخاطر وأنا أشاهد تسجيلاً ممنتجاً مدته دقيقة ونصف، بدأ بالأزهري وهو ينزل علمي الحكم الثنائي “الاستعمار المصري البريطاني” ويرفع مكانهما علم السودان في أول يناير 1956، وكان بجانبه قامة أخرى، محمد أحمد محجوب، وجاء من بعدهم جعفر النميري، وعلى الرغم من أنه جاء بالانقلاب وأسقطته ثورة، لكنه ظل وفياً للوطن لم يخن ولم يبع وتكفي كلماته التي خلدت مع التاريخ “سيظل هذا العلم عالياً خفاقا” حيث كانت تردد مع نشيد العلم والسلام الجمهوري في كل المحافل.
تعال يا جعفر وهنا لا أعني جعفر نميري يرحمه الله، وإنما أعني جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، تعال وانظر إلى من دنس اسمك “ومرمطه” في الطين، يعلن العمالة والارتزاق على رؤوس الأشهاد وحتى لا أكون قد بهته سأنقل ما قاله حرفياً والحكم لكم “انتو بتاعين الخواجات ولاقيتو الخواجات، عشان أقول الكلام على الهوا، أسي بنلاقي فيهم وأوقول ليك قولة، حنباري السفارات دي سفارة سفارة، وحنباري العالم دا حتة حتة، نوريهم بالبحصل في الشراكة بين الطرفين”، بربكم هل هناك عُهْرٌ أكثر من هذا، وهل هناك فجور وانحطاط أكثر من هذا، وأي خبث وأي نذالة أسوأ من صلب الأوطان على أبواب السفارات.
وهنا ينبغي الإشارة إلى أن هذا المدعو جعفر حسن ليس منحطاً في ذاته فقط، فهذا مفروغ منه، ففعله الدنيء تنفر منه النفس الأبية، ولكنه هنا يمتد منه الانحطاط إلى المجموعة التي هو ناطق باسمها، وهي ما يسمى بقوى الحرية والتغيير، وهذا يعني بالضرورة لسان حال هذه المجموعة، وهي بالتالي شريكة أصيلة في كل ما تفوه به هذا الغر الجبان، هذه المجموعة التي انعدمت فيها النخوة والرجولة والوطنية، ولم يخرج أحد ولو على استحياء ليقول إنما قاله هذا الرعديد لا يمثله، وعليه فهم فيه سواء، سقوط جماعي.
والحق يُقّال النكرة ليس وحده، وإنما هناك العديد من نماذج السقوط الوطني والأخلاقي، وفي الحقيقة هذا هو ديدن السماسرة عديمي المثل والأخلاق “مع جدير الاحترام لمهنة السمسرة القائمة على الأصول” ولكن هؤلاء سماسرة عملاء، بغيتهم بيع تراب الوطن ولا يهمهم لمن، بل الأهم ما يجنونه من وراء ذلك من أرباح ولو كانت مغموسة بدموع الغلابة ودماء الشهداء.
الشرذمة المسماة الحرية والتغيير، هي مجموعة من اللصوص، شوهوا حتى الاسم الذي خلعوه على أنفسهم، فهم في الحقيقة لا حرية ولا تغيير، بل خضوع وتبديل، خضوع لأسيادهم، ليس فقط الخواجات، بل كل أولئك الذين لديهم أطماع في السودان وخيرات السودان ومقدرات السودان، أسألوا خالد سلك وإبراهيم الشيخ ومحمد الفكي ومريم المقهورة، عن تلك العمليات التي أشبه بسوق النِخاسة، عن الرحلات المكوكية والمشروعات الوهمية، وسيناريوهات بيع الموانئ، التي لولا وقفة أهل الشرق الأبية في السابق لكانت الموانئ الآن في خبر كان، بالطبع لا أعني الحراك الحالي، والذي هو نتاج طبيعي لسوء الإدارة وعدم الدِراية، بإدارة هذا النوع من الملفات بتعقيداتها المعلومة، والآن وقف حمار الشيخ في العقبة.
ولا يجب أن ننسى مؤامرة بيع الفشقة على حدودنا الشرقية والتفريط فيها والتنازل عن نصفها لأثيوبيا والنصف الآخر للإمارات، ولولا القوات المسلحة الباسلة التي أخذت زمام المبادرة وقامت بطرد المحتل محررة الأرض السودانية، وعودة الحق لأصحابه، ولولا أيضاً تلك الوقفة الشجاعة للفريق البرهان القائد العام للقوات المسلحة الذي ذهب إلى الإمارات وبكلمات خرجت كالرصاص، أن الفشقة ليست للبيع، وأن أي حديث حول التنمية أو أي اتفاق آخر للتعاون يجب أن يكون بعد ترسيم الحدود والاعتراف بها، نعم تحررت الفشقة برصاص القوات المسلحة الباسلة، وأنقذت من البيع برصاص الكلمات التي خرجت من قائد الجيش، وصدقوني لو أن البرهان قد خضع وباع لكان الآن من المقربين، وأحب المحبوبين.
وعوداً إلى ما جاء على لسان الناطق الرسمي لقوى الخضوع والتبديل، ينطبق عليه ما جاء لسان الراحل نزار قباني يرحمه الله في قصيدته المشهورة “الاستجواب” ، وقد اتهموه بقتل أحد هؤلاء المنافقين، ممن كانوا وقتها يرتزقون بالإسلام واليوم يرتزقون باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، وهم أبعد ما يكون من كل هذا، فقال معترفاً بالقتل مجازاً:
قتلت إذ قتلته كل الصراصير التي تنشد في الظلام
قتلت إذ قتلته كل الطفيليات في حديقة الإسلام
كل الذين يطلبون الرزق من دكانة الإسلام
قتلته يا سادتي الكرام وكل الذين منذ ألف عام
يزنون بالكلام.!
بربكم هل هناك زنى أقبح من هذا الذي تفوَّه به هذا النكرة الرعديد، بل هو أسوأ من الزني، فالزاني كثيراً ما يستتر، أما هذا فعلى المكشوف.
سيدي الرئيس: مع جدير الاحترام والتقدير ماذا تنتظر، فقد طفح الكيل وبلغ السيل الزُبى، وأنت المسؤول أمام الله والوطن والتاريخ.