مصر و السودان و العلاقة بين مرحلتين

بقلم:زين العابدين صالح عبد الرحمن

أن أية علاقة متطورة بين دولتين تتوقف على ترقية المصالح المشتركة بينهما، و التفاهم المستمر بين القيادة السياسية في البلدين بهدف ترقية العلاقة لخدمة مصالح الشعبين، و الملاحظ أن التغييرات السياسية في كلا البلدين التي تؤدي إلي تغيير في صناع القرار، دائما يكون لها أثرا سالبا أو إيجابيا يتوقف على رؤية القيادات الجديدة في كلا البلدين.. أن التغيير الذي يحدث في صف صناع القرار بالضرورة يحدث تغييرا في السياسات و أيضا تغييرا مع القوى السياسية التي يجري التعامل معها..

في مصر دائما تحدث تغييرات في هرم السلطة، و هذا التغيير لا يؤدي إلي تغيير في السياسات العامة للدولة إلا طفيفا، بينما التغيير الذي يحدث في السودان يحاول صناع القرار الجدد أن يكون التغيير مغايرا تماما للنظام السابق، مما يشير لعدم الرسوخ في المؤسسات السودانية، خاصة محاولات التغيير التي تطال الخدمة المدنية و بقية المؤسسات السيادية.. مثالا لذلك تجد أن مؤسسة المخابرات المصرية لا تتأثر تأثيرا كبيرا بالمتغيرات السياسية الجارية في الدولة لذلك تجد أن مؤسسة المخابرات المصرية و الجيش المصري يمثلان العمود الفقري للدولة الذي يحافظ على سياسات الدولة خاصة مع الدول الأخرى، لكن في السودان نجد أن عدم الاستقرار السياسي له نعكاسات سالبة على مؤسسات الدولة، لذلك تجد أن التغيير في السودان يجعل القيادات الجديدة تتعامل في علاقاتها مع الدول من الصفر لأنها تلغي كل الانجازات السابقة و تبدأ بتصورات جديدة..

أن التغييرات الجوهرية التي تحدث في السودان، تجعل القيادة المصرية تمد جسور العلاقة مع القوى السياسية السودانية ذات القواعد الاجتماعية العريضة باعتبار أنها لن تكون بعيدة عن صناعة القرارات، و الهدف من ذلك ييسر لها طريق تحقق مصالحها.. لكن القيادات السياسية في السودان لا تميل لخلق علاقة وطيدة مع الأحزاب المصرية في اعتقاد أن الأحزاب المصرية تتواجد في المؤسسات التشريعية، و لا تتواجد في الهيئة العليا لصناعة القرار.. أن التغيير في السياسات في البلدين هي التي تؤثر في العلاقة.. و أيضا كانت مصر حريصة في علاقتها مع الرموز السودانية التي لها دور اجتماعي كبير في السودان، لكن هذه السياسة قد أختلفت كثيرا عند رئاسة الرئيس عبد الفتاح السياسي.. حيث أصبح دور المخابرات المصرية مخطط للسياسة و ليس منفذا لها، حيث أصبحهناك دورا أكبر لوزارة الخارجية، و يعتمد دورها على فاعلية العناصر التي تعتقد إنها يمكن أن تخدم المصالح المصرية بعيدا عن العلاقات التقليدية السابقة.. و نرى ذلك في التعامل مع شخصية مثل أحمد الطيب زين العابدين خادم السجدة السمانية و كانت له علاقات وطيدة مع قطاع كبير من شباب لجان المقاومة، إلي جانب انتمائه الداعم للتيار الاتحادي ترفض الأجهزة المصرية منحه تأشيرة دخول لزيارة أسرته في القاهرة.. مما يؤكد أن مصر من خلال وزارة الخارجية بدأت تحدث تغييرا كبيرا في سياستها، و تعتقد أن التغيير سوف يخدم مصالحها.. لكن في ذات الوقت تراهن على القيادات التي تعتقد أنها يمكن أن تلعب دورا مهما في مستقبل السياسة لذلك تجعل لهم الأولوية في الاستشارة، خاصة بعد ما تأكد لها أن القوى التقليدية عاجزة أن تسهم في أية مبادرات مفيدة..

أن زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي لبورسودان، و إلتقاءه بعدد من القيادات في السلطة، و على رأسهم رئيس مجلس السيادةالفريق أول عبد الفتاح البرهان، و إعلان نتائج الزيارة الاتفاق بين البلدين على عقد لجنة التشاور السياسي” لكن الاتفاق لم يبين ما هو الهدف من لجنة التشاور السياسي، و ما هي الأجندة التي تريد النظر فيها؟ هل هي أجندة تتمحور فاعليتها حول العلاقات بين البلدين، أم لها أبعاد أخرى في المنطقة ؟ و هنا أخص دولة الأمارات.. الدولة الداعمة للميليشيا بالسلاح و المال و التي عجزت جامعة الدول العربية و كل الدول العربية أن تدين فعلتها، و لكن أدانت الجيش السوداني عندما كذبت الأمارات أن الطيران قصف بيت السفير الأماراتي..

لابد للشعب السوداني أن يشكر مصر و شعبها على استقبال ميئات الآلاف من النازحين السودانيين، و دورها في إجهاض مؤامرة عدد من الدول الأفريقية، خاصة عدد من دول الجوار التي كانت تهدف لنزع الشرعية من السلطة في السودان، و مدت الميليشيا بالمرتزقة، و التي جعلت أراضيها معبرا للدعم الأماراتي للميليشيا، و الشكر أيضا لمجهودات وزارة الخارجية المصرية من أجل رفع تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، و أيضا وقوف مصر إلي جانب السودان و شعبه في المنظمات العالمية، و دور مصر في اجهاض مؤامرة العون الدولي بالغذاء التي يراد بها تمرير أمداداتعسكرية للميليشيا.. حقيقة أن أية تشاور بين القيادة السودانية و المصرية مطلوب مستقبلا .. باعتبار أن الحرب لابد أن تحدث تغييرا جوهريا في سياسة السودان الخارجية، و التي يجب أن تبنى على المصالح المتبادلة بين الجانبين.. و للحقيقة ليست دولة الأمارات وحدها التي كانت تقف مع انقلاب الميليشيا و جناحها العسكري هناك أيضا دول أخرى عربية خليجية كان لها دور و لكنها انسحبت بعد فشل الانقلاب مباشرة..

قال الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة في زيارته الأخيرة لعدد من الدول الأفريقية أن ( علاقة السودان بعد الحرب مع القوى السياسية في الداخل و مع الدول ستكون مبنية على المواقف الحالية).. أن موقف الأمارات الداعم للميليشيا الذي وجد الصمت المطلق من جميع الدول العربية سوف يكون علامة سوداء بارزة في مستقبل علاقات السودان مع أغلبية الدول العربية التي لزمت الصمت.. و سارعت بالإدانة للسودان بإدعاء كاذب من قبل الأمارات أن الجيش قصف بيت سفيرها.. في الوقت الذي أكدته الأمم المتحدة و الكونجرس الأمريكي و العديد من المنظمات العالمية و الإعلام الغربي دور الأمارت في إطالت أمد الحرب و صمتت الدول العربية و الجامعة العربية.. نسأل الله حسن البصيرة..

الزينصالح
Comments (0)
Add Comment