السودان و بداية صناعة الآساطير

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن

تعتبر الأسطورة في التاريخ الإنساني هي بداية تشكيل الوعي عند المجتمعات، و من خلال الأساطير يتعرف الإنسان على كيف كانت تفكر المجتمعات الأولية في التاريخ لفهم واقعها، و علاقتها بالعالم الخارجي.. و بعد تطور المجتمعات و العلم أصبح العالم يصف الأساطير بإنها صناعة العقل البدائي و نعتها بالخرافة و الوهم.. و القرآن الكريم أشار إليها بأنها قصص المجتمعات الأولي بقوله تعالى في سورة الأنفال 31 ( و إذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لونشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين) و في سورة النحل 24 ( و إذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين) و هي عديدة الآيات التي ذكرت فيها الأساطير.. باعتبارها قصص الأولين التي كانت تتداولها المجتمعات الأولية.. و لكنها قصص ظلت باقية تتناقلها الأجيال..

لكل حضارة من الحضارات الإنسانية لها أساطيرها التي ظلت باقية حتى اليوم مثلا أسطورة جلجامش في الحضارة البابلية القديمة في العراق.. و جلجامش هو ملك لمدينة ” أوروك” نصفه انسان و نصفه الأخر من الألهة، و رغم أنه كان قوي إلا أنه كان قاسي على شعبه، مما جعل الشعب يتمنى أن تبعث الألهة ندا له ليقضي عليه) و هناك اسطورة إيزيس و أوزورس في الحضارة الفرعونية القديمة  تقول أن ( إيزيس ولدت من أبناء ألهة الأرض و ألهة السماء، و تزوجت من أخيها أوزورس الذي حكم العالم و قتل أوزوريس نتيجة الغيرة ثم يبدا الصراع في الاسطورة من أجل الانتقام و السلطة) و هناك الاسطورة اليونانية أوروبا تقول ( أوروبا هي أبنة الملك الفينيقي أجينور، و كانت ذات يوم تتمشى على الشاطي، رأها كبير ألهة جبال الألب زيوس، و اعجب بجمالها، و أنقلب إلي ثورا و أختطفها و رحل بها إلي أروبا و يبدأ البحث عنها) و اسطورة الأميرة أوروبا هي التي أطلق أسمها على قارة أوروبا، هذه الأساطير ظلت باقية تحكي عنها الأجيال، و رسمت صورة الأميرة أوروبا الآن في الورقة النقدية الأوروبية فئة 2 يورو..

أن حرب 15 إبريل 2023م التي كان الهدف منها تمزيق السودان و إحداث تغييرا ديمغرافيا فيه، لكي يصبح السودان وطنا لعرب الشتات، و يتم استغلاله ثرواته من قبل الدول التي تقف وراء الحرب. هي الأسطورة الجديدة التي يبدأ بها التخلق الجديد للسودان سياسيا و ثقافيا، و هذا الواقع بدأ يتشكل من خلال الوعي الجديد الذي دفع مئات الآلاف من الشباب أن يحملوا السلاح و يدافعوا عن بلدهم تحت رأية القوات المسلحة.. أن الملاحم البطولية التي خضوها المقاتلين في تلاحم قوى تناسوا فيه القبيلة و العشيرة و الجهوية و المناطقية كان شعارهم واحد ” السودان” بكل عظمته و تاريخه و وديانه و خيرانه و جباله و غباته و صحاريه، بيئات مختلفة و متنوعة يقطعها المقاتلون في كل فصول السنة، حاملين بنادقهم و مدافعهم و زخائرهم و قليل من الزاد و الماء، وسط كل هذه المعاناة كان صبرهم مربوط بعزيمتهم و جلدهم و الرسالة التي يحملونها ” أن يبقى السودان واحدا مستقلا بسيادته” و تعتبر واحدة من الآساطير التي سوف يتشكل عليها سودان المستقبل، لآن هؤلاء المقاتلين كلما كانوا يرتحلون من منطقة إلي أخرى كانوا يتنقلون بخيالهم الذي سوف يرسم لهم الصور الجمالية في مخيلتهم، و التي سوف تؤسس عليها التربية الوطنية في المستقبل، هؤلاء لبوا نداء الوطن بكامل إرادتهم لم يغصبهم أحدا، أو جاءوا مكرهين على حمل السلاح، بل جاءوا إليه وهم على علم أن طريقه معلوم بالشهادة أم النصر، و قبول الخيارين أعلى تجليات الوطنية..

يرى عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم ( أن التضامن في أي مجتمع يعد الظاهرة الاجتماعية أذا تغير شكلها تؤدي إلي تغيير في المجتمع بنائيا و ثقافيا تبعا لهذا التغيير) و التغيير الذي يحدث الآن في السودان هو تغيير في الوعي السياسي و الثقافي الذي شكلته ساحات المعارك البطولية، لذلك الحرب لن تنتهي بصافرة أو قرار، لكنها سوف تنتهي بمتغيرات كثيرة تحكي عن الأساطير التي سوف ترسم ملامح الثقافة الجديدة في الشعر في القصص و الروايات في الفن التشكيلي في الموسيقى في الغناء، لكي تحكي عن البطولاتالتي جسدها أبناء السودان في المعارك و مناطق مختلفة .. لأول مرة بعد صراع نخبة الاستقلال مع المستعمر، تعاد حمية الوطنية أكثر قوة و وهجا و تتجاوز فيها بعض النخب منصات قديمة ليجعلوا من منصة الوطن أولوية لأفكارهم و أطروحاتهم و إبداعاتهم مثالا منهم عبد الله على إبراهيم  و عبد العزيز بركة ساكن و عصام الصادق و محمد جلال هاشم و محمد محمد خير و محمد عثمان إبراهيم و عبد العزيز سليمان و غيرهم من الصحافيين و الإعلاميين و الشعراء و الفنانين الذين جعلوا لكل مرحلة غنائها الخاص لكي يزيدوا الفرح وسط المجتمع السوداني الذي يخرج دائما مهلالا و مكبرا لاستقبال المتحركات في مناطقهم….

أن المعارك الدائرة في مناطق السودان المختلفة، سوف تشكل قاعدة البناء الأسطوري الجديد في الثقافة السودانية، و التي تعتبر واحدة من أهم المتغيرات الثقافية لأنها تجعل من الوطن هو الأفق الذي يتحرك فيه الخيال، هو الباعث للصور الجمالية في كل تنوع الأدوات الفنية و الثقافية، فأي خروج عن تلك البيئة يعتبر نشاذ غير جاذب لذائقات الجمال عند الفرد السوداني.. فالجمال بكل انواعه هو الذي يصنع الوجدان الواحد للشعب.. و في ذات الوقت يعتبر القاعدة الأساسية للتربية الوطنية.. لذلك أهمية التربية الوطنية أن يكون التدريب العسكري لكل مواطن و مواطنة أجباريا و في فترة التدريب يجب  أن يزوروا أغلبية مناطق السودان و البقاء فيها لفترات مختلفة، و يجب على الدولة أن توفر أدوات الطباعة و أدوات الرسم و الغالريهات و المسارح و غيرها من أماكن العروض الفنية.. نسأل الله حسن البصيرة..  

الزينصالح
Comments (0)
Add Comment