بقلم: كامل عبدالله كامل
كان صارم الملامح مع تلاميذه، لكن تحرسهم عنايته ورقة جانبه التي تكاد لا تغيب عنهم، شعره كثاً على موضة تلك الأيام يغرس فيه قلم حبر جاف أحمر ماركة بك، شاربه غزير ومنتظم يعمل على تشذيبه والعناية به.
من عادته أن يهز مدرسة الصافية الابتدائية بشمبات بنبرات صوته الجهير، اتخذ من اللغة العربية تخصصاً برع فيه، حيث كان بوابتنا للدخول إليها خصوصاً عبر حصة الإملاء، التي كان يجتهد فيها بما لا يدع مجالاً لأخطائنا في الخلط بين الغين والقاف او الزاي والذال.
كنا نرهبه للدرجة التي يكفي ذكر سيرته فقط من الأهل عند افتعال مشاغباتنا الصغيرة فتتملكنا الرهبة أو عند التمنع في الذهاب إلى أحد المراسيل التي كانت ترهق ذاكرتي، وكنت اهابها لوقوعي دائما في الخلط فأنا لا أجيد التفريق بين الباكنباودر والكربونات، وكانت عمتي سميرة وهي أمي التي ربتني رحمها الله، دائما ما تمتعض من هذا الخلط، حتي انها أصابها اليأس فصارت تلفح ثوبها منعا لتلك الهبشة والطرطشة التي ابتليت بها على حد قولها، لكن لا حيلة لها فأنا سيد الحوش لتسميتي على جدي.
في درس الإملاء تحديدا، كان لا يقبل الأخطاء وكنا نحفظ الكلمات المرهقة وحروف الجر عن آخرها، وكانت تقف شعيرات شاربه ان كتبنا التنوين نونا، فتبرز انياب غضبه ويلهب أكفنا بسياط العنج الفايح قطرانه، والذي كان دائما ما يحمله خلف ظهره، يهش به على ما تبقى من رعشة او رجفة عادة ما تكون مصاحبة لرؤيته.
تخرج على يديه المهندسون والأطباء والرسامون، حتي المغنيين، لا زلت أذكر طه سليمان الذي بدأ من ذات المدرسة مادحا كان من المتفوقين والماهرين كذلك في لعبة كرة القدم.
لا أعرف ماذا فعلت الايام بركيزة وعينا الباكر الاستاذ “عبده اب شنب”، لكن ذاكرتنا برغم ثقوبها الغربال ما زالت تحتفظ له بمقام النبي وسط مؤمنيه.
فقط أتمناك بعافية يا أستاذي، فقد وصلنا لعهد يغتال فيه حملة مشاعل العلم كأمثالك بالخوازيق، من حفنة من المعتلين نفسيا والمشوهة ضمائرهم.
أمام قامتك انحني، وللتراب الذي تمشي عليه أبوس.