(الدعوات بين التيارات الاتحادية للوحدة، وهو شعار أشواق القاعدة الاتحادية، وفكرة الوحدة يتحكم فيها الشعار المرفوع دون تأسيس معرفي للحوار).
عندما كنت طالبا في كلية الإعلام جامعة بغداد، كان استاذ النقد والأدب العالمي الدكتور محمد كمال الدين.
هو شاعر وقاص درس تعليمه الجامعي وفوق الجامعي في موسكو، وعندما عرف أنني سوداني سألني من جيلي عبدالرحمن إذا كنت أعرفه.
قلت له اعرفه كشاعر، طلب مني أن أكتب عنه بحث نقدي على أعماله الشعرية أعتذرت بسبب نقص المصادر لإنتاج الرجل المعرفي.
التحولات السياسية
وبعد يومين التقيت الدكتور على باب مدخل الكلية سألني من أين جئت؟ حيث كنت أتصبب عرقا.
قلت له؛ من محاضرة للأستاذ ناجي علوش، تحدث فيها عن القراءات الجديدة للفكر الماركسي.
وعلوش هو فلسطيني كان قياديا في منظمة التحرير العربية التي كانت قد انشقت من المنظمة الأم.
طلب مني كمال الدين أن أذهب معه للمكتب أشرب الشاي، وبالهجة العراقية ” شايات”.
سألته ونحن على باب مكتبه عن الجبهة التحالفية في العراق، ضحك وقال بلكنة عراقية هذه ورطه يازين…!.
والحديث عنها في الهواء الطلق إما نفاقا، أو مغامرة دون التعقل في حساباتها..
سألت الدكتور كمال الدين عن ظاهرة التحولات السياسية وسط النخب والمفكريين الفلسطينيين والشوام من الفكر القومي إلي الماركسي.
منهم جورج حبش وجورج طرابيشي وناجي علوش وغيرهم؟ قال كمال الدين أن الأحزاب في الوطن العربي للتمييز وليست حمولات فكرية.
ظاهرة الانتقال
والانتقال ظاهرة تفرضها التعارض بين المصالح الخاصة والمصلحة العامة، واغلبية هؤلاء ينتمون للطبقة الوسطى.
ومعلوم هي طبقة متمردة والتمرد هو الصفة الغالبة، لذلك تصبح حالة الثبات نسبية، وأنظر إلى أغلبية التغييرات.
التي تحدث في النظم السياسية العربية لا تعتمد على الجماهير بقدر ما تعتمد على القوى المنظمة داخل الجيوش.
مما يدلعلى أن المصالح الخاصة هي التي وراء التغييرات، وليس سبب أفكار يراد تطبيقها.
عندما طرق أحد باب المكتب استأذنت لمعرفتي أن مثل هذا النقاش يضر بأصحابه، ولا اريد أعرض أستاذي لمضايقات.
تذكرت حديثي مع الدكتور محمد كمال الدين، وهو كان نقاشا طويلا عن ظاهرة لتململ وسط الطبقة الوسطى في المجتمعات العربية.
وحدة التيارات الاتحادية
وهي التي قادت للانقلابات العسكرية المتكررة في المنطقة… في الأسبوع الماضي، كانت هناك ظاهرة الدعوات بين التيارات الاتحادية للوحدة.
وهو شعار أشواق القاعدة الاتحادية، وفكرة الوحدة يتحكم فيها الشعار المرفوع دون أن يكون لها تأسيس معرفي لمشروع يمكن الحوار حوله.
وفي حوار مع محمد توفيق أحمد عن وحدة الاتحاديين قال منذ دخول الشعبوية في 1965م في الوطني الاتحادي.
وبموجبها طرد أعضاء في البرلمان بدأت تتغلب على تيار الوسط الذي ترتكز عليه عملية البناء الديمقراطي.
وتراجع دور النخب ذات الاستنارة.. وكان الأمين العام للجبهة المعادية للاستعمار عبد الوهاب زين العابدين قاريء جيد للواقع.
عندما كانت رؤيته المخالفة لفكرة عبد الخالق محجوب في الجبهة أن يشكل اليسار تيارا تنويريا داخل لاتحاديين.
حتى يستطيع أن ينتصر للديمقراطية.. وأيضا قد اعاد ذات الرؤية عوض عبد الرازق في بداية الخمسينات.
أشواق الوحدة
فاشواق الوحدة تعد دافعا ولكنها لا تستطيع أن تجرد عناصر الطبقة من المصالح الذاتية الضيقة..
عندما كنت في مصر في ديسمبر 2024م حضرت حوارا بين قيادات اتحادية تتبع لتيارات مختلفة.
جاء البعض خاصة قيادات من كردفان والجزيرة بفكرة ” فدرالية التنظيم” وهي فكرة مقنعة لا تؤسس على مركزية التنظيم.
فكل أقليم ينتخب قياداته من القاعدة إلي الهرم، وقيادات الأقليم المختلفة تشكل اللجنة المركزية للحزب.
وهي التي تنتخب المكتب السياسي ” التنفيذي” يراع فيه حضور كل الأقاليم.. هذا التنظيم يعطي القيادات مساحات واسعة على الحركة.
الكل سوف يشاركفي قرارات الحزب، وسوف يحجم مسألة الكارزمة وسطوتها، لكن الدعوات الأخيرة تجاوزت ” فدرالية التنظيم”.
وعادت مرة أخرى للحوار بين قيادات المجموعات المختلفة وهي في حد ذاته سبب تعثر الوحدة.
لآن كل فرد في هذه القيادات يريد أن يكون له مقعدا في القيادة.
الأجيال الجديدة
إن واحدة من إشكالية النخب التي تريد أن تقود بنفسها عملية الوحدة، لا تستطيع أن تتحدث عن القضايا المسكوت عنها.
وهي جوهر المشكل، لآن مسألة القناعات في الأجيال الجديدة تتطلب المعرفة، والمشاركة في صناعة المشروع السياسي.
وأيضا المشاركة الفاعلة في اختيار القيادات.. فالقبول بمبدأ الولاءات السالبة بدأ يضيق في المجتمع.
لذلك لا بد من فتح الحوار مع القاعدة بدلا من الاحتفاظ به داخل موائد شبه مغلقة.
وهناك من يخطط لإعادة الكاريزمة لكي تخطط له وتقود لوحدها عملية الوحدة، هذه تتعارض تماما مع مبدأ الحرية.
وفي نفس الوقت العودة إلى لاحتكارية القرار… أن الوحدة التي يريد أصحابها أن تنجح.
أن يطرح أصحابها رؤيتهم للقاعدة للحوار والوصول إلى توافق حوله.. كما يقول المفكر البناني علي حرب:
” أن القيادات السياسية العاجزة عن إنتاج معرفة جديدة وأفكار جديدة لا تستطيع المساهمة في التغيير..
إن عملية الوحدة الاتحادية يستطيع أن يقوم بها فصيل واحد دون الفصائل المتعددة المطروحة في الساحة السياسية.
الإيمان بالوحدة
إذا كان لديه قيادة مؤمنة بالوحدة، وما تفرزه عملية الاختيار من قيادات، ودون التعدى على حرية القاعدة في اختيارها.
ويملك أدوات العمل والاتصال، والقدرة المالية على قيام انتخابات عامة من القاعدة إلي القمة.
دون الدخول في أية صراعات جانبية مع الفصائل الأخرى حتى لا تصرفه عن الهدف.
ودون أية إقصاء مادام القاعدة وحدها لها حق اختيار القيادة.. وأن تكون القيادة مدركة للتحديات التي سوف تواجهها.
وأن تكون هناك فكرة واحدة ” قيام انتخابات لتنظيم اتحادي من القاعدة إلى القمة”.
هي الرؤية التي سوف تستقطب الأجيال الجديدة القادرة على حمل المسؤولية. نسأل الله حسن البصيرة..
بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
أقلام: صحوة نيوز