بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
أن تحرك الجيش للتغيير السياسي إذا كانت قد أملته ضغوط داخل المؤسسة العسكرية، أو رغبة جنرالات الجيش، لابد أن تكون محكومة بأهداف معدة سلفا، وتتأرجح هذه الأهداف بين سقوف مختلفة تفرضها حركة الصد والمواجهة من قبل القوى المدنية لحركة الجيش، ولكن أقل سقفا فيها لا يسمح بالرجوع لما قبل 25 أكتوبر، وانقلاب الجيش إذا كان إنقلاباً كامل الدسم أو بهدف الإصلاح أدي إلى واقع جديد سوف يفرض شروط سياسية مغايرة.
وفي ذات الوقت أن خروج الجماهير يومي 21 – 30 أكتوبر 2021م، أكد على هدف واحد يجد إجماعا كاملا من قبل الشارع “الدولة المدنية الديمقراطية” وهي القاعدة التي يجب أن يلتزم بها الجميع، لكن تصبح الأسئلة: كيف تتحقق الدولة المدنية الديمقراطية؟ وما هي الشروط المطلوبة التي تدفع التجمعات الشعبية لكي تكون مشاركة في صناعة الدولة؟ وأيضا ما هي الأدوات المطلوبة لتحقيق الهدف؟ وما هي التنازلات التي تريد تقديمها والتي ترفض الحوار فيها؟.
عندما خرجت مئات الألاف من الجماهير في العديد من مدن السودان، وأكدت للعالم أن الشعب السوداني خياره الدولة الديمقراطية، كان المتوقع من قبل أدوات الدولة المدنية الديمقراطية “الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني” أن تقود عملية إدراة الأزمة مع العسكر، ويصبح الحوار والتنقل الماكوكي للوساطات الداخلية والخارجية يتنقل بين العسكر والقوى المدنية، لكن للأسف غابت هذه القوى المدنية وأصبح التنقل بين رئيس الوزراء الذي أختارته الأحزاب والقوى المدنية والقائد العام للجيش، مما يدل على غياب هذه المؤسسات، بل أنها لا تملك تصورا للخروج من الأزمة.
أيضا كان المتوقع أن تقدم هذه المؤسسات المدنية مبادرة سياسية تطرح على الوساطات لكي تثبت بها وجودها وفاعليتها، وفي نفس الوقت تجعل أهداف المبادرة هي الأهداف التي يطالب بها الشعب، لكن للأسف ظلت هذه المؤسسات تثبت ضعفها عندما تفشل أن تكون محورا للحوار وتكون بعيدة عن الحوار الدائر. وكان عليها أن تخرج رئيس الوزراء من الحرج وتتقدم هي بطرح رؤيتها.
تقول القيادية بحزب الأمة الدكتورة مريم المهدي في حديث لها في برنامج “بلاقيود لقناة BBC” تقول “أن دعاة الشمولية يريدون ضرب اسفين بين الأحزاب والشعب” وهذه المقولة متوقعة في ظل الثقافة الشمولية السائدة في البلاد، حيث ترفض القيادات السياسية أي نقد يوجه للأحزاب السياسية في دورها وبطء فاعليتها في إدارة الأزمات، وأيضا في الفراغات التي تخلفها ويملأها غيرها، هي مؤسسات تحتاج إلي إعادة بناء وتحتاج لتغيير في قياداتها التي شاخت ونفد خيالها، وإذا لم تدرك الأحزاب واقعها وتعمل على دفع قيادات جديدة تمتلك الوعي الذي يؤهلها لمواجهة التحديات تكون هي نفسها تسهل الطريق للقوى الشمولية.
المطلوب الآن من القوى السياسية أن تقدم مبادرة وطنية، تدفع بها للساحة السياسية لكي تخلق موازنة للقوى في الساحة السياسية، وتوضح للشعب وللعالم الخارجي أنها قادرة على تحريك الفعل السياسي الذي يساعد علي الحل، وتهدف مبادرتها إلي الاسراع في اكتمال المؤسسات التي تساعد على عملية التحول الديمقراطية، خاصة تكوين جميع هياكل السلطة، أهمها المجلس التشريعي ويتم فيه أشراك أكبر قطاع من القوى السياسية وشباب المقاومة، إضافة إلي تكوين المفوضيات، والأجهزة العدلية “الهيئة القضائية والنيابة العامة والمحكمة الدستورية، ومفوضية الانتخابات. ومفوضية الدستور والدعوة لكل القوى السياسية أن تشارك في مفوضية الدستور. لكي يتوزع العمل السياسي في العديد من الاختصاصات التي تؤكد أن البلاد بالفعل تسير في اتجاه التحول الديمقراطي.
مثل هذه المبادرة تفتح باب الحوار المجتمعي، وأيضا الحوار السياسي. وعلى أن لا تقف القوى السياسية مكتوفة الأيدي وراء الشروط التي يقدمها رئيس الوزراء، بل تحاول أن تحرك الساكن وتفتح للآخرين منافذ لكي يخرجوا من أزمتهم، فالتضيق لا يساعد على الحل بل يجعل الآخر يذهب لنهاية الشوط حتى إذا كان فيه دمار للوطن، الحكمة أن تقدم مبادرة تساعد على الخروج من الأزمة، والاعتماد على الخارج لا يحقق شيئا لأنه محدود الفعل.
أن حديث القيادات التي تتحدث للعودة ما قبل 25 أكتوبر هى قيادات لا تدرك واقع الصراع، المطروح الآن حتى من قبل الوساطات ليس العودة لما قبل 25 أكتوبر لكن مساومة سياسية يتم فيها التنازل من قبل الجانبين على أن تسير في طريق التحول الديمقراطي، وبالتالي أن أي حل يقدم سوف يفرض واقعا جديدا، والذين لا يريدون المساومة السياسية عليهم رفض الوساطات والعمل من أجل ثورة جديدة، والقضية تحتاج إلي حكمة وإعمال العقل. نسأل الله حسن البصيرة.