الزين صالح يكتب: الحرية والتغيير والطائر الفينقي

بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن
الطائر الفينقي هو طائر اسطوري يجدد نفسه بصورة ذاتية وتقول الأسطورة أنه يولد من رماد احتراقه، وتتعدد اسمائه في العديد من الاساطير في اساطير الفرس يسمى الققنس وفي الاسطورة الاغريقية يسمى فينكس، والآن أصبح مضربا للمثل للشخص أو القوى التي تريد أن تعيد نفسها من جديد.

ولكن العودة نفسها تحكمها شروط عديدة تتخطى الماضى، وتقدم فيها أفكارا جديدة تتماشى مع التغيرات التي تحدث داخل المجتمع، من مطالوبات واستحقاقات، وأيضا تتطلب أدوات جديدة لتحقيق المقاصد تتجاوز حالة الفشل السابقة.

أن قوى الحرية والتغيير قد عقدت مؤتمرا صحفيا قبل يومين، تطالب فيه العودة لما قبل 25 أكتوبر، أي قبل الانقلاب الذي حل الحكومة وسيطر على السلطة، وتقول أنها تريد بهذه الدعوة احترام الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية. ربما يكون الطلب في سياقه الديمقراطي صحيحا، لكن التاريخ قد تجاوزه واتفاق “حمدوك – البرهان” أيضا خلق واقعا جديدا، قال فيه حمدوك أنه يريد إرجاع عجلة التحول الديمقراطي لمسارها الطبيعي، التي تتلخص في ثلاث قضايا “معاش الناس، التحضير للانتخابات واستحقاقات السلام”.

وكان على قيادات المجلس المركزي، أن تدرك أن خطاب العاطفة لا يغير في الواقع شيئا، و يجب عليها أن تقدم رؤية جديدة تتجاوز فيها السلطة التي فشلت في تحقيق أهداف مطلوباتها المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية، وتذهب مباشرة لتقديم مشروع سياسي تحدد فيه كيف يجب أن تتم عملية التحول الديمقراطي، أي أنها في حاجة لطريقة جديدة في التفكير، لكي تستطيع أن تكسر بها القيود النفسية التي تعيش فيها وتحرمها من التفكير الايجابي.

بنت قوى الحرية والتغيير خطابها السياسي في المؤتمر الصحفي على العاطفة؛ ثم أنتقلت للبحث عن نصير يدعمها جماهيريا، والثالث على قناعة ذاتية بأنها جزء من قوى الثورة ولم تخونها إلي جانب خيارات أخرى، وجميعها لم تكن موفقة فيها لأنها مبنية على أرضية العودة للسلطة.

وإذا تحررت من فكرة السلطة، سوف تحرر عقلها من قيود كثيرة يجعلها تفكر بموضوعية، أي “خارج الصندوق” أن المصالح الذاتية والحزبية دائما تعطل انطلاق العقل للفضاءات التي يلتقي فيها مع استحقاقات الوطن، فالذي يريد أن يحقق شعار الجماهير “الدولة المدنية الديمقراطية” يجب عليه أن يجرد نفسه من الرغبات التي تعيق العمل السياسي وتحد من انطلاقته، فالوطن فضاء واسع يحتاج لاصحاب الخيالات الواسعة ليحدث الإبداع.

قال خالد عمر سلك القيادي في المؤتمر السوداني في المؤتمر الصحفي “الحديث عن أن الشارع تجاوز الحرية والتغيير تعميم مخل قصد تشويه صورتها” الذي تجاوز “قحت” الشارع قبل الانقلاب كان قد رددها في شعاراته، أن قحت باعت دم الشهداء، ويجب على سلك سؤال الشارع قبل الآخرين، وأيضا حاول استدرار للعاطفة في ذات المؤتمر “أن لجنة إزالة التمكين” ستعاود ممارسة نشاطها بعد اسقاط الانقلاب.

الآن معركتك مع الانقلاب، وكيف العودة للسلطة مرة أخرة لكي تعيد للجنة نشاطها، هي محاولة لدغدغة مشاعر الشارع لكن الشارع نفسه تتجاذبه تيارات متعددة، ويظهر ذلك من خلال الشعارات التي تناقض بعضها البعض. وكان على خالد سلك الخروج من عباءة العاطفة، والحديث عن مشروع سياسي جديد تقدمه هذه المجموعات، لكي تبدأ صفحة جديدة في الساحة السياسية تناشد فيها العقل أداة الوعي، وتحاول أن تجدد أدواتها التي فشلت أن تلحقها بركب الثورة.

وقال خالد سلك وياسر عرمان أن حزب المؤتمر الشعبي قد ادان الانقلاب وبذلك قد فتح مسارا للعودة للعمل السياسي، هذا حديث مضحك ويبين أن قراءتيهما للساحة السياسية في شيء من التغبيش، ومن قال أن المؤتمر الشعبي يريد إذن من قحت لكي يمارس دوره السياسي، أن الأحداث الجارية كلها تربك الساحة، وتعيد معدلاتها من جديد كل مرة. أنتم اردتم إغلاق مبادرة حمدوك، ووقفها على قوى سياسية بعينها، و الآن تغازلونها، أليست هذه هزيمة سياسية.

وفي ذات السياق العاطفي قال ياسر عرمان القيادي في الحركة الشعبية، شمال عقار “أنه رفض دعوات صدرت من بعض الديسمبريين لعسكرة الثورة وطالب الثوار في الوقت ذاته بالاحتفاظ بسلمية الثورة فهي الوحيدة التي تؤدي إلي تحقيق المشروع الوطني الديمقراطي” أشك أن الذين طالبوا بحمل السلاح يكونوا من الثوار، لآن تجربة ديسمبر أثبتت للثوار أن السلمية هي التي أدت لنجاح الثورة، وهي التي جاءت باحترام العالم لهم، فكيف يغيروا إستراتيجية تثبت نجاحها يوميا، أن عقل البندقية يجب أن يتوقف حتى لا يشيطن القضايا السياسية.

أن ستدرار العاطفة بهذا الشكل خصما عليك، وسوف يجعلك في موقع الدفاع، خاصة إذا طالبك الثوار أن تكشف اسماء هؤلاء الذين يريدون تشويه الثورة والثوار.

قال صديق يوسف القيادي في الحزب الشيوعي “أن دورالحرية والتغيير قد إنتهى، وأصبحت غير موجودة في الساحة السياسية، وتراجعت بسبب مواقفها المتتالية والتي عبرنا عن رأينا فيها في وقتها، النأي عن معاش ومطالب المواطنين، وقبول تسليم ملف السلام للمكون العسكري، قبول إتفاق جوبا، قبول تعديلات الوثيقة الدستورية، قبول سيطرة العسكريين، وختمتها بتلك الحكومة ذات الإخفاقات والتقاطعات الجمة مع أهداف ومطالب ثورة ديسمبر المجيدة، لا التحالف ولا الحكومة إرتقى واحد منهما لوعي وتطلعات ووطنية الثوار والجماهير، بإختصار فرطوا في كل ذلك، وبعد هذا التفريط والتنازلات المتلاحقة، لم تعد الحرية والتغيير رمزاً للثورة السودانية”.

هذا رأي قوى سياسية كانت عضوا في “قوى الحرية والتغيير” بأن “قحت” دورها أنتهي وبالتالي يجب أن تبحث لها عن تحالف جديد يعيدها لخط الثورة. ويقول قيادي أخر في ذات الحزب كمال كرار في مقال بعنوان “كدة بالواضح ما بالدس” يقول “وبالواضح فإن هذا الهدف هو جوهر الثورة التي خلعت البشير ونظام الانقاذ البائد، وهو هدف تتمسك به لجان المقاومة وتجمع المهنيين المنتخب والحزب الشيوعي وبعض الأجسام المطلبية، في وقتنا الراهن.” وبهذا الحديث يؤكد كرار أن الحزب الشيوعي قد حدد خيارت تحالفه مع واجهاته المدنية التي يعتقد هي التي تقود الثورة لأهدافها، وبالتالي أنه سوف يمنع أي تحالف بين القوى المدنية و”قحت المركزي” وهذه قصة بدأت قبل توقيع الوثيقة واعتبر الزملاء أن قحت قد خرجت عن خط الثورة وأضاعت عليهم زمام القيادة، والآن لن يفرطوا فيه.

الغريب في الأمر أن الشارع هو الذي يقود الأحزاب السياسية، حتى إذا كانت واجهات القيادة من المنظمات المدنية، أن خوف الحزب من رفض الشارع له دفعه أن يوظف واجهاته المدنية بالمسميات المختلفة لحراك الشارع. لذلك نقول لقيادات “قحت المجلس المركزي” أن المسألة تحتاج لقراءة للواقع بشكل مجرد، ووفقا لمعطيات الأحداث، وليس بناء على رغبات في طور الشك أن تتحقق. الآن المعادلة السياسية في الساحة بين الحزب الشيوعي الذي يقود الشارع من خلال واجهاته العديدة، ومتحكم فيه تحكما قويا، وبين حمدوك الذي يريد إرجاع عجلة الديمقراطية لمسارها الطبيعي، وهي أيضا معركة EX زملاء خاضوا صراع الديمقراطية داخل المنظمومة الحزبية، والآن يخضونها عبر مؤسسات الدولة، ولذلك حمدوك ينطلق من فرضية توسيع قاعدة المشاركة حتى يجعل للديمقراطية سندا شعبيا عريضا، وكما قال كمال كرار أن الحراك سوف يستمر حتى يحسمه الشرفاء من داخل القوات الملسلحة، وهل الحسم سوف يسمى انقلاب أم للحزب مسمى أخر. لذلك استطاع الزملاء تمليك شعارهم “لا مساومة لا مفاوضة لا مشاركة” للشارع وكمموا بهذا الشعار الافواه والأخرين أن يفكروا خارجه، والكل أصبح في هذه الحضرة خشوعا، وأين تريد أن تكون قحت؟.

من الأفضل في هذا الصراع أن يتقدم حزب الأمة بمشروع سياسي ينال رضى الأغلبية داخل الحزب ويفتحه للحوار المجتمعي والسياسي، وأن تسانده القوى السياسية الأخرى، لكي تحدث المعادلة في الساحة السياسية، ويصبح الخيار مفتوح بين رؤيتين، لكن لن يعود طائر الفينق للحياة مرة أخري، وسوف ينسحب لكي يفتح نافذة يغرد منها صقر الجديان مرة أخرى ومعافى وأكثر إقبالا للحياة مع سودان حرا ديمقراطيا. نسأل الله حسن البصيرة.

الزين صالحالسودانحمدوكقحت