بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
أن انقلاب البرهان إذا كان فيه إيجابية واحدة، هو فتح طريق للمواكب الجماهيرية التي انتظمت البلاد، ورغم آلة القمع المستمرة من قبل العسكريين، والضريبة الكبيرة التي دفع الشباب من أجل مشروعهم الوطني، لكنهم استطاعوا أن يفرضوا تصورهم على الساحة السياسية “الدولة المدنية الديمقراطية” و”حرية، سلام وعدالة” ووضعوا الأحزاب أمام السؤال: كيف يتم إنزال الشعارين للواقع؟ هل القوى السياسية التي فشلت منذ ديسمبر 2018م حتى انقلاب البرهان 25 أكتوبر 2021م أن تقدم برنامج سياسي إذا كان برنامج من قبل الأحزاب أو من قبل التحالف الحاكم.
وجاء الانقلاب الذي خلق واقعا جديدا في البلاد وعقد الأزمة أكثر لكنه وضع أمام الجميع سؤال ما هو الحل؟ أن المواكب منذ وقوع الانقلاب أكد الشباب الذين يقودون هذه المواكب أنهم مصرين على أن تجد شعاراتهم طريقها للتطبيق. وقدموا تضحيات كبيرة من أجل ذلك، وبالتالي لا يقبلون أي مساومة فيها، وعلى القوى السياسية أن تستوعب ذلك.
وكان من المفروض أن تقود الأحزاب هذه المواكب من خلال مشروع متفق عليه، لكنها فشلت أن تقدم مبادرة يلتف حولها الناس. الأمر الذي جعل انسداد في الساحة السياسية. إلي جانب الموقف السلبي من أغلبية الشباب تجاه الأحزاب السياسية، خاصة عدم محاسبة الذين ارتكبوا جريمة فض ساحة الاعتصام، التعينات الولاء التي حصلت في الخدمة المدنية، انشغال الأحزاب بالمحصصات، سوء الخدمات، تواصل تصاعد الاسعار، كلها أعطت انعكاسات سالبة وسط مجموعات لجان المقاومة السؤال ما هو العمل؟.
لابد من حدوث تغيير في الساحة السياسية، من خلال تغيير في الخطاب السياسي، يتماشى مع طموحات الشباب وتطلعاتهم، ولابد اتخاذ خطوات جادة. لذلك أقترح أقتراحا كنت قد كتبته قبل ثلاث سنوات، أن يكون هناك حوارا جادا بين حزبي ” المؤتمر السوداني وتجمع الاتحاديين” خاصة أن المرجعية الفكرية للحزبين متقاربة، وينطلقان من الليبرالية الديمقراطية بتصوراتها المختلفة.
وأيضا تقارب الفئة العمرية للأغلبية، مما يساعد على الحوار الفكري الذي يجمع الحزبين في حزب واحد “المؤتمر الاتحادي” وأن الوحدة تؤهلهم لاستقطاب كل القوى الديمقراطية وسط الشباب في الشارع السياسي، وفي الأحزاب الأخرى، وأيضا الذين يقفون على الرصيف، وخاصة في لجان المقاومة.
لكن ذلك يتطلب الأتي:
أولا: أن يقدم الحزب الجديد تقييم لمجريات العمل السياسي في البلاد، وخاصة يقدم نقدا منهجيا لسلطة الفترة الانتقالية، وتبين الأسباب التي لفشل مهمة رئيس الوزراء والوزارتين السابقتين. والهدف من كل ذلك؛ أن تضع حجر أساس للمنهج النقدي في الساحة السياسية بديلا للمنهج التبريري الذي كان سائدا منذ استقلال السودان حتى اليوم.
ثانيا: أن يعمل على تغيير الخطاب السياسي السائد في البلاد، والتغيير ضرورته أن يقدم أسئلة جديدة في المجتمع تساعد على بروز طريقة جديدة للتفكير تتماشي مع الإجراءات والقيم الديمقراطية في المجتمع خطاب يطرح مصطلحات الديمقراطية ويعمق فهمها، خطاب قائم على الصراحة والوضوح، خطاب يحترم عقل المخاطبين ويحاول أن يجذبهم للحوار باستمرار.
ثالثا: أن الساحة السياسة في أمس الحاجة لإنتاج ثقافة ديمقراطية تنداح على الثقافة الشمولية التي خلفها النظام السابق، والثقافة الديمقراطية سوف توضح شروط الديمقراطية المطلوبة، والقاعدة الشبابية في الحزبين “المؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي” تساعد علي فاعلية الحزب الجديد ودينمكيته في المجتمع.
رابعا: أن الديمقراطية يجب أن تنقل الشعارمن الفضاء إلي الواقع، ويحتاج ذلك من الناحية التربوية والتعليمية أن تكون الممارسة الديمقراطية مشاهدة من قبل أكبر قطاع من الجماهير، وتتجلى في أحترام انعقاد المؤتمرات في وقتها، وتبادل الأراء وكيفية أحترامها، وكيف تتم عملية اختيار القيادات.
خامسا: إختراق المجتمعات الصغيرة المغلقة، وإحداث وعي ديمقراطي وسطها، واتساع دائرة النشاط في كل الرقعة الجغرافية السودانية، والهدف محاصرة الخطاب الشمولي والمناطقي والعنصري.
سادسا: الاستفادة من منصات وسائل الاتصال لفتح حوارات ديمقراطية، الهدف منها هو خلق وعي ثقافى ديمقراطي وتحميل الشباب حمولات الخطاب الجديد.
سابعا: أن تتبنى مشروعات شبابية ديمقراطية لكن لها أدوات مغايرة في دعم الديمقراطية “فنانيين تشكيليين، شعراء، روائيين، فنانين وموسيقيين” وهؤلاء يحتاجون للدعم ويستطيع الحزب الجديد أن يستقطب الدعم من المنظمات العالمية لدعم هذا العمل الإبداعي.
ثامنا: كان حزب المؤتمر السوداني قد أصدر صحيفة قبل الثورة. ورجوع هذه الصحيفة للصدور. وأن تكون نصف صفحات الصحيفة للجدل الديمقراطي بين الديمقراطيين. ثم تنقل لكتب صغيرة للتثقيف العام. وتدعم الجريدة من قبل السودانيين الديمقراطيين المهاجين.
أن وحدة الحزبين “المؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي” سوف يساعد على قيام إصلاحات في قوى سياسية أخرى تعاني من إشكاليات تنظيمية وفكرية، وإحداث ثورة داخلها بالضرورة سوف تدعم الثورة الديمقراطية في البلاد، وفي ذات الوقت سوف تخلق واقعا سياسيا جديدا. ونسأل الله حسن البصيرة.