بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
كان عندما يقرر الشخص أن يتحاور مع السكرتير العام للحزب الشيوعي تاريخياً “عبد الخالق محجوب” لابد أن يتأكد أن الرجل “مفكر سياسي” فكل مقولة ينطق بها لها مدولاتها المعرفية في الفكر الماركسي، وأن محجوب كان على قناعة كاملة أن الفكر هو المحرك القوي لعملية التغيير في المجتمع، لذلك كان على المحاور أن يستوعب المرجعية الفكرية للرجل، وينطلق في أسئلته من منصتها.
أتذكر أيضا أن صديقي الزبير عثمان أحمد عندما كان مديراً عاماً “للهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون” أجرى حواراً مع محمد أبراهيم نقد وفي الحوار سأله هل تعتقد سوف يكون هناك انقلاب في السودان بعد اليوم؟ كان الزبير يعتقد أن المليشيات المسلحة التي كونتها الإنقاذ سوف تؤمن دولة الإنقاذ لأصحابها، قال نقد طبعا سوف يكون هناك انقلابات متكررة أيضا إذا فشل الناس في السودان أن يحسموا قضية الصراع على السلطة، ومادام الصراع على السلطة دون حل سوف تتعدد الأدوات المستخدمة من أجل التغيير، والفكر الإنساني لا يسجن سوف يبتكر أدواته النضالية.
قال السيد محمد مختار الخطيب السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني في اللقاء الذي كانت قد أجرته معه جريدة “الجريدة السودانية” يوم الخميس 13 يناير 2022م ردا على سؤال “تعدد المبادرات من عالمية وإقليمية ومحلية لحل الأزمة بعد انقلاب 25 أكتوبر، ما هو رأيك؟ “قال الخطيب: نريد أن نؤكد هنا بأنه لا توجد أزمة في الثورة، لان الثورة تندلع عندما تكون هناك أزمة تسد الأفق السياس والاجتماعي، يبقى القول؛ أن أي حديث بأن الثورة في أزمة حديث يقف وراءه ناس يريدون العودة بالبلاد للأزمة التي قامت ضدها الثورة، لأن الثورة هي أداة لحل الأزمة، وعندما تصل الحاجات إلي الانسداد الحقيقي تندلع الثورة لأن التطور لا يمكن أن يتم في ظل الأزمة.
الزميل الخطيب يؤكد الجاري في البلاد ثورة وليس انتفاضة، أختصر الخطيب على المتابع ماذا يريد الحزب الشيوعي من الثورة الحالية، ومن أي الزواية ينظر لها الزملاء والخطيب رغم أنه يتحدث بلسان سياسي لكن حديثه له مدلولاته الفكرية، وكل حديثه ينطلق منها، والزميل كان واضحا في حديثه، الغائب عن الوضوح المدلول الفكري ومقصود، لأنه يخاطب مجموعات مختلفة منتمية وغير منتمية، لكن أي ماركسي يفهم البعد الذي يرمي إليه الخطيب.
نرجع لكي ننظر ماذا تقول الماركسية عن الثورة، يقول لينين “هي هدم البناء السياسي الفوقي الذي بدأ يتناقض مع علاقات الانتاج، وهي لحظة أفلاس لهذا النظام، السؤال هل هذا الهدم تقوم به الجماهير لوحدها؟ الإجابة الهدم يجب أن يقوم به حزب البوليتاريا الذي يعمل من أجل تقدير الوضع. والثورة لابد أن تزيل نمط الاقتصاد الاجتماعي القائم وتستبدله بنمط جديد ويقود بذلك حزب البوليتاريا والثورة إذا كانت عفوية لا تستطيع أن تنجز شيئا، لكن عندما تتقدمها الفكرة سوف تحدد وجهتها، ويقوم بإعدادها الحزب البوليتاري”، هذه مقولة لينين عن الثورة. نتابع تفاصيل مقولة لينين في حديث الخطيب.
يعود الخطيب للسؤال الذي قدمه المحور أعلاه، عندما يدرك الخطيب أن ما قاله غير مفهوم لا من الناحية السياسية، ولا من الناحية المرجعية لفكره. لذلك رجع وقال للمحرر؛ أعود بك للإجابة على السؤال الآن ” نقول أي مبادرة تعمل على أساس اعادتنا إلي ما قبل 25 أكتوبر أو إلي النهج الذي كان مستمرا في ظل الحكومة الانتقالية من وثيقة دستورية واتفاق جوبا هذه المبادرات لن تؤدي إلي حل مشكلة البلاد”. هنا يرد أيضا على ( قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، للمنظمة الأممية) التي تطالب العودة ما قبل 25 أكتوبر والعودة للوثيقة الدستورية باعتبارها المرجعية، يغلق الباب الخطيب على أي مبادرات تحاول إيجاد حل للأزمة السودانية. كيف يكون الحل؟ الحل هو ما يراه الحزب الشيوعي.
يقول الخطيب عن التغيير الجذري “هو الذي تقوم به القوى صاحبة المصلحة، ويتم عبر توحد هذه القوى الثورية المنظمة وغير المنظمة، تنتظم وتعمل تحت قيادة موحدة لاحلال التغيير الجذري، ثانيا يجب صياغة ميثاق يتم الاتفاق حوله وأن ينفذ بعد أن تسقط هذه القوى الانقلاب بالطرق السلمية والديمقراطية” السلمية مفهومة لكن هنا الديمقراطية ليس لها معنى في ظل الثورية، هنا يرجع الخطيب لمقولة لينين القيادة الموحدة (الحزب البوليتاري) والفكرة التي تقود للتغيير يشير إليها الخطيب (صياغة ميثاق) كيف تتم وحدة القوى؟ وكيف يتم صياغة الميثاق؟ قال الخطيب الآن تجري مشاورات واتصالات يقوم بها الحزب الشيوعي (الحزب البوليتاري) مع كل قوى الثورة لتوحيدها عبر الاجتماعات التي تعقد هذه الأيام، كما أن هناك مبادرات أخرى لقوى الثورة ونحن نرحب بها.
هنا تكشف ستارة المسرح لكي يتعرف الحضور على الذين يصيغون هذه المواثيق “تجمع المهنيين وبعض لجان المقاومة” وهنا نرجع لتجمع المهنيين في تقديمه للميثاق ذكر في بيانه على السلطة الانتقالية أن تسلم السلطة للقوى الثورية، لكنه لم يعرف القوى الثورية، لكن عرفها القيادي في الشيوعي كمال كرار للجزيرة نت “هي تتمثل في الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين وبعض من لجان المقاومة” وبالتالي الثورة التي يعنيها الخطيب هي ليس الشعارات التي يرددها الشارع بل هي لحظة التغيير الثوري في الفكرة الماركسية.
ننتقل إلي مربع أخر، يسأل الصحافي الحاج عبدالرحمن الذي أجرى الحوار: هل هناك آطار زمني لتحقيق وحدة المكونات الثورية ؟
يقول الخطيب الثورة مستمر حتى تحقيق كل أهدافها المنشودة، وتحقيق تطلعات الجماهير في ثورتها وما تصبو له هذه الجماهير، على كل نحن نستلم مواثيق ومبادرات أخرى نناقشها ونعمل على المشتركات وما هي نقاط الخلاف ونجلس مع أصحابها للوصول لقاسم مشترك. هنا الخطيب لا يتحدث باعتباره أحد فصائل الثورة بل الحزب القائد (الحزب البوليتاري) لذلك نحن نستلم مواثيق ومبادرات أخرى نناقشها.
أحترامي للخطيب لم يتردد في الافصاح بتصوره فالثورة هي بداية للتغيير الحقيقي للدولة السودانية بمنظور الماركسية، وهذا حق ديمقراطي أن يتطلع أي حزب لحكم الدولة وينفذ مشروعه السياسي، لكن الفكرة في مراحلها سوف تتعارض مع شعار الشارع (الدولة المدنية الديمقراطية) فهل حكم البوليتاريا في مسيرة مراحل الوصول إلي المجتمع الشيوعي تؤسس الدولة المدنية الديمقراطية أم ديكتاتورية البوليتاريا؟ هذه المسألة هي الزملاء لم يصلوا فيها إلي توافق يجعلهم متسقين مع شعارات الديمقراطية التي يرفعونها.
ويستدرك الخطيب: ويقول “ما يهمنا في الحزب الشيوعي؛ التوافق حول القضايا الأساسية، لأن الفترة الانتقالية مرحلة تعبر عن الثورة بالضرورة، تغيير هذا المسار السياسي والاجتماعي إلي مسار أخر يحقق التغيير الجذري، الذي قصده الشعب عندما كان خياره الشعب وليس المساومة” هنا يقع الخطيب في التناقض ويرجع لمصطلح لا يعد جزء من ثقافته “التوافق” وعلى الزملاء يجب أن يحددوا مسارهم يريدون الثورية التي تفضي للقوى الثورية التي يعتقدون سوف توصلهم لمقاصدهم الفكرية أم التوافق الذي تؤسس عليه الديمقراطية. وإذا كان الأخير؛ يجب على الزملاء أن يجلسوا بكل تواضع مع الأخرين للوصول لمشتركات تساهم في عملية سودان المستقبل دون فرض الوصايا على الآخرين.
انتقل المحاور المحاور لنقطة جوهرية حيث سأل الخطيب: ما هو موقفكم من الحرية والتغيير؟
قال الخطيب: “نحن في الحزب الشيوعي نقول بأنه إذا أرادت الحرية استرداد نفسها عليها أن تعود إلي جماهيرها، وتلبي تطلعاتها، وبأي حال من الأحوال لن تتعامل مع الكتل وأنما سنتعامل مع الأحزاب وليس لدينا أي مشاكل للتعامل مع الحرية كأحزاب” ويرجع مرة أخرى الخطيب لمبدأ الوصاية على القوى السياسية الأخرى، ويتحدث من برج عاجي. وينسى الخطيب أن المركزية الديمقراطية هي أحد نصوص اللائحة للحزب الشيوعي فقط. لا يمكن أن تطبقها على قوى سياسية لها استقلاليتها الكاملة، لكي تفرض عليها أنت ماذا تفعل. هل معنى ذلك يريد الخطيب التوافق مع القوى السياسية أن تقبل كل الشروط التي يفرضها عليهم الزملاء؟.
الجماهير وحدها هي صاحبة القول الفصل، هي التي تسامح وهي التي تعزل هي وحدها التي تمتلك أدوات المحاسبة، وهذه شروط الديمقراطية السيد، الخطيب أنتم لكم تاريخ نضالي طويل يجب ان تستفيد منه الأجيال الجديدة بعيدا عن التعامل المدرسي، وأيضا هناك انتقادات عديدة لكم خاصة في قضية الديمقراطية. أعتقد أن القيادات التاريخية في الحزب الشيوعي إذا أفسحت المجال لكوادرها الشابة تستطيع أن تحدث تغييرا جوهريا في مسار هذه المؤسسة العريقة. نسأل الله لنا ولكم التوفيق.