“تعال ياولد أو تعالى يابت شيل الصحن دا وديهو للجيران ناس خالتك وتعال راجع سريع”، الجملة دى بيكون سمعناها كثيراً من أمهاتنا والولد والبنت هنا مقصودين فى ذاتهما عشان يتعلموا من الصغر على العطاء وحب الخير والعمل الصالح ليشبوا عليه فقديما قيل من شب على شى شاب عليه.
وهذه مدرسة البيت تربى وتعلم الأجيال والنشء ليكونوا أعضاء فاعلين فى مجتمعاتهم التى نشاؤا فيها أو التى يخالطوها فى المستقبل فى المدارس والجامعات وأماكن العمل والسكن وحتى إن قدر لهم الاحتكاك بمجتمعات ذات ثقافات وعادات وبيئات مختلفة كثيراً عن بيئاتهم التى نشأوا فيها فهنا تتأصل عندهم قيمة العطاء وحب الخير للآخرين دون النظر الى الإختلافات الإجتماعية أو الدينية وغيرها.
ومن أروع ما سمعته ويستحق أن يسجل فى “حكاية من حلتنا” عن قيمة العطاء والبذل وحب الخير للآخرين وعادة اتسمنا بها كسودانيين حتى فى بعض الأحيان يقال لنا أنتم طيبون وطيبتكم دى مابتنفع بره البلد،
وهنا نحكى.. تقول الحكاية أن أسرة سودانية يسكن بجوارها بريطانية وفجأة طلبت البريطانية إستغاثة وهى فى داخل شقتها فهرع إليها السودانى وزوجته لاغاثتها ومساعدتها وعندما دخلا عليها وجودوا إبنها مصاب بجرح وينزف فحملاه معها إلى المستشفى وبعد إسعافه مكثا معها حتى الصباح ثم عادا إلى شقتهما، والى هنا والأمر عادى لجميع السودانين تقدم خيرك وعملك الصالح وتساعد الآخرين ولا تنتظر منهم جزاءا ولاشكورا.
وهذه عادة أصلتها التربية فى داخل الأسر، الكل يجتهد لينفع المجتمع ليعم النفع الجميع وتستمر الحياة جميلة بالتعاون والتكافل والتراحم وبث القيم الأصيلة فى نفوس النشء لتظهر دورة العطاء والمنح متقدة فى الجميع لا يخبوء بريقها مهما حلكت الظروف وضاق الحال يظل عمل الخير راسخا بجذوره فى المجتمع.
وهنا بعد أن قاما بمهمتهما الخيرية بامتياز إرتاحت نفسيهما لأن تلك البلاد يصعب فيها القيام بمثل هذه الأعمال فى حدود ضيقه، ودارت سنوات عديدة فإذا بصاحب ذلك الشخص يتلقى اتصالا هاتفياً من تلك المرأة تسأله عن جارها الذى يعرفه وهى تريد أن تحادثه فوعدها خيرا واتصل على صاحبه وابلغه برغبتها فى الإتصال به إن رغب إن يمدها بهاتفه وسأله قائلا يازول إنت الخواجيه دى مالك معاها قالت عايزة تتكلم معاك.
فقال له ليس لى معها مشكلة لكن أديها تلفونى، وبعدها إتصلت به فقالت له أتذكر إبنى الذى أصيب فى المنزل قال لها نعم وأنتم قمتما بفعل جميل وأريد أن أكافئكما، والحديث لها فقد أراد أن يتزوج وأنا أقدم لكما الدعوة لحضور الزواج وأتكفل بتذاكر السفر والإقامة من وإلى الخرطوم.
وأنا هنا أريد أن أرد لكما الجميل الذى قدمتماه لى ولإبنى بمساعدتنا للذهاب للمستشفى والبقاء معنا حتى الصباح، وأرجو أن تقبلا دعوتى لتشاركان فى هذه المناسبة السعيدة، ويقول محدثى أن صديقه وزوجته قبلا الدعوة وحضرا مراسم الزواج وداخل صالة الزواج ظلت المرأة “الخواجية” كما تحلو لنا التسمية، تنادى على معارفها وتعرفهما عليهما وتحكى لهما قصتها معهما وكيف أنهما أنقذا إبنها وساعداهما فى الوصول للمستشفى لتلقى العلاج وتقول أنهما أهم المدعوين فى مراسم زواج إبنها.
وهكذا أثمرت قيمة العطاء وقدمت نموذجا صالحا للمجتمع بغض النظر عن جنسية الشخص أو نوعه أو لونه أو عرقه، فهل نحافظ على قيمة العطاء وبذل الخير والمعروف للناس؟.