بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
أن القوى السياسية السودانية جميعها ليس لها مركزا للدراسات والبحوث، يقوم بدور الرصد والمتابعة لحركة التغيير التي تحدث داخل المجتمع، وأيضا هي تهمل عملية التقييم لتجاربها ولعملية التغيير التي تحدث في كل مرحلة جيلية، وتهمل الرصد للقوى الفاعلة في المجتمع “الشباب من الجنسين”، فالقوى السياسية تدير العملية السياسية بالأدوات القديمة الموروثة منذ بداية التعليم الحديث في السودان، في اعتقادها أن السياسة تعتمد على (الخطابة – الشعارات – التعبئة الشعبية التي تؤسس على العاطفة وليس الوعي) وظلت هي الأدوات المستخدمة حتى اليوم لبعض القوى السياسية.
أن الإنقاذ قد انشأت العديد من الجامعات في كل الأقاليم إعتمادا على الكم وليس النوع، لكن حتى هذا الكم أليس له أثرا في زيادة الوعي في المجتمع؟ يجب متابعته..! أن الإنقاذ قد فصلت عشرات الألاف من وظائفهم، وهؤلاء أصبحوا مشروعا لإعادة التوطين في أغلبية الدول الأوروبية وأمريكا واستراليا وكندا، وفي مواطنهم الجديدة أكتسبوا معرفة وخبرات جديدة، وثقافة ديمقراطية لها انعكاساتها بالضرورة على العمل السياسي، إلي جانب التقدم السريع الذي حدث في وسائل الاتصال الاجتماعي، واستخدام التلفونات الذكية التي أصبحت المعلومة متوفرة عند الكل في لحظتها هذه أيضا أثرت على الوعي وسط الشباب.
أكثر الفئة الاجتماعية استفادة من هذه التغييرات هي الشباب من عمر أربعين سنة ومادون، وهؤلاء الذين قادوا ثورة ديسمبر قرابة الست أشهر دون تراجع، كانوا على وعي بأهدافهم، لذلك قدموا كل التضحيات المطلوبة من أجل ذلك، اليس هو الوعي في كماله؟ لماذا لم تدرك الأحزاب أن هؤلاء لن يكونوا كما مضافا فقط، بل هؤلاء يريدون أن يكونوا جزء من صناعة أي قرار ان كان في الأحزاب أو في إدارة الدولة، هل يستطيع العقل التقليدي أن يستوعب هذا النوع من التغيير؟.
هذا التغيير الذي حدث داخل المجتمع رغم المعاناة، إلا أنه قد خلق وعيا وعقلا جديدا، وعيا مغايرا تماما عن وعي الموروث الثقافي السياسي التقليدي الذي تحتفظ به القيادات التاريخية والقيادات غير المواكبة لعملية التغيير في المؤسسات الحزبية، وقد ظهر بصورة واضحة وعبر عن الفروقات في درجات الوعي في ساحة الاعتصام، هذا التغيير أرادت الأحزاب السودانية التعامل معه بذات العقلية التقليدية، أن تجعلهم رصيدا جماهيريا تدخره لكي تعبر به عندما تواجهها المطبات السياسية، و لا تدرك إن هؤلاء قوى فاعلة لها تخلقاتها الجديدة التي لا تقبل أن تكون أدوات تستخدم فقط عند الحاجة، بل تريد أن تكون جزء من الفاعلية السياسية، وأن تسهم من خلال طاقاتها الإبداعية، وتشارك في كل مراحل العمل السياسي.
لكن للأسف أن العقل السياسي السوداني الذي تكلس وضمر، ولم يستوعب هذا التغيير، وسارت الأحزاب في غيها، الأمر الذي يؤكد أنها لم تدرك أن هناك تغييرا قد حدث في عقول الشباب، هذا الأمر يستوجب من الأحزاب أن تغير في طريقة تفكيرها لكي تتلاءم مع التغييرات التي حدثت في المجتمع ووسط الشباب.
أن الخلاف الذي يجري في الساحة السياسية السودانية، سببه فروقات بين الذين وقفت ثقافتهم السياسية عندما كانت تكتسب من أركان النقاش ومنابر الخطابة والإملاءات، وبين عقل يكتسب يوميا معلومات جديدة في كل ضروب الحياة والثقافة والسياسة، هذه الفروقات هي التي تعقد العمل السياسي، وأصبحت اللغة المتداولة بين الجانبين تختلف حمولاتها المعرفية والثقافية، المشترك الوحيد أنهم سودانيين.
ويتمحور الفرق الجوهري أن الشباب لديهم القدرة على استخدام طاقاتهم الإبداعية عبر أدوات مختلفة، وفي اعتقاد أن المجتمع تتفاوت فيه درجة الاستيعاب وأيضا يتم الاستيعاب بصورة كبيرة عندما يتم استخدام أدوات متعددة تلائم كل شخص في الأداة التي يحبها، وهذا يؤكد اتساع أفق الوعي في مجتمع الشباب، هذه مدرسة جديدة كل يوم لها إبداع جديد في عملية التواصل، تختلف عن المدرسة التقليدية التي حددت أدواتها ولا تستطيع أن تتجاوزها.
أن العقل التقليدي السياسي خاصة عقل الانقلابات، لم يستطيع أن يستوعب أن أستمرار الشباب في الخروج ضد الانقلاب هو إيمانهم أن الحرية لكي تؤسس بقوة في المجتمع يجب أن يكون مهرها غالي جدا، لذلك كان إقدامهم على الموت بشجاعة وبسالة منقطعة النظير، معلوم أن الديمقراطية تؤسس على الحوار، ولكنه الحوار الذي يجعل الكل سواسية وليس هناك من له سهمين دون الأخرين.
هل اعتقد العسكر في يوم من الأيام أن يكون هناك شباب بهذه الشجاعة التي يرسمون فيها لوحاتهم الجمالية بجسداهم وهي تستقبل الرصاص كأنه زخات مطر. وأن النياشين على صدور جنرات العسكر تدل على قتل الأبرياء والغدر، هنا يبدأ الخلاف واضحا بين عقلية تريد أن تحبس نفسها في التخلف والضلال، وأخرى تتخلق مع جيل جديد يرسم ملامح السودان بصور جمالية فضل أن يبدأ تلوينها باللون الأحمر يعتصره من شراينه لكي تكون نبراس وحالة انتباه لكل من يريد أن يقدم مرة أخرى على الانقلاب ضد الديمقراطية. نسال الله لهم ولنا الهداية والتوفيق.