تعال ياولد أمشى بيت عمك أو عمتك أو تعالى يابت أمشى بيت خالتك أو خالك، كثيراً ما يتردد صوت الوالد أو الوالدة فى فناء المنزل لينادى أحد أبنائهم يطلبان منهم الذهاب إلى منزل أحد الأقارب العم أو الخال أو العمة أو الخالة وذلك للرباط الأسرى الوثيق بينهم الذى يشتد عوده وتقوى اواصره كلما يشب أبنائهم عن الطوق.
فهنا مدرسة الأسرة الإجتماعية التى تخرج بشهادات غير موقعة بختم وزارة أو جامعة، بل سيكون التوقيع عليها فى المستقبل عندما يحتك هؤلاء الأبناء من الجنسين بمجتمعاتهم سواءً كان ذلك فى محيط الأسرة أو السكن أو الدراسة أو العمل أو الزواج، فكل إناء بمافيه ينضح، فإن أحسنت التربية ستجنى ثمارها حلوة المذاق وإن تهاونت فيها فلن تجنى من الشوك عنبا أو زيتونا بل سيكون حصاد غرسك علقما، وتضيع سنوات طويلة من عمرك وأعمارهم فى المجهول وتتملك الحسرة والندم على تفريطك فى الإعتناء بابنائك وحسن تربيتهم.
فالأم والأب عليهما أدوار مختلفة ومتشابكة تحتاج إلى تفاهم وسلاسة فى تربية أبنائهم ليعتمدوا عليهم عندما يتقدم بهم العمر وعندها لاينفع الندم إن لم تحسن التنشئة والتربية “فينشأ ناشء الفتيان منا على ماكان علمه أبوه”.
وحكاية من حلتنا تقف على أجمل العبارات التى يطلقها أبناء الأخوان والأخوات على أعمامهم وعماتهم وأخوالهم وخالاتهم حيث علمهم الأباء الأبناء إحترامهم وتقديرهم ووضعوا لهم لبنات إجتماعية راسخة تضعهم فى مكانة سامية تليق بهم مثل الأباء والأمهات يختلفون عنهم فقط فى عدم إلحاق أسمائهم بهم فعادة ماينادى الإبن أو الابنه العم “بأبوى” كما ينادون الخالة “بأمى”، ويظل العم والخال والعمه والخاله صمام أمام للأسر لمقابلة تلقبات الحياة يسرا وعسرا فعند المناسبات الإجتماعية المختلفة تجدهم أول من يحضرون وآخر من يغادرون فهم لايتركون صغيرة أو كبيرة شاردة أو واردة إلا إطمئنوا عليها، فأنت منهم وهم منك.
ورغما عن الظروف الاقتصادية والإجتماعية الضاغطة التى أحاطت بمجتمعنا إحاطة السوار بالمعصم إلا أن هناك شمعات تضئ هنا وهناك تنير الطريق للمحافظة على جميل هذه العلاقات الاجتماعية الممتدة فى جذورها لسنوات طويلة ليس داخل السودان بل حتى خارج البلاد فكما يقول أهلنا فى المثل العميق “الدم بحن” بمعنى إنك تحن وتشتاق إلى من تربطك به صلة الرحم حتى وإن كان بعيدًا منك فوسائل الاتصال الحديثة سهلت كثيراً تقريب التواصل الاجتماعى والتجمعات الإلكترونية فى المواقع المشهورة واتاحت لهم اللقاء كأسر ممتدة يتعارفون بعضهم البعض يوثقون عرى المودة و الإلفة بينهم وبين أبنائهم لمستقبل أفضل يعينهم على مجابهة صعوبة الحياة التى تغير نمط العيش فيها عما كان فى السابق.
على العموم نذكر الناس بأن يشحذوا همم ويعملوا على تقارب أكثر وأكثر مع الاعمام والعمات والاخوال والخالات وأبناؤهم تقديراً للدور الكبير للاباء والأمهات الذى بذلوه فى التربية والتعليم وتمكيننا بأن نصل لمثل المراحل التى وصلناها ويحق لهم أن يفخروا بابنائهم ويرونهم فى أفضل الوظائف والأعمال لكنهم يسعدهم أكثر أن يكون أبنائهم على تواصل إجتماعى مستمر مع اعمامهم وعماتهم وأخوالهم وخالاتهم وأسر أبنائهم الصغيرة فكم من الفرح والسرور يدخل عليهما بأن فعل أحد أبنائهم فعلاً يعلى من مكانتهم ويزيدهم فخراً بهذا الإبن المواصل أو تلك الابنة المواصلة.
ومن ذاكرة حكاية من حلتنا أذكر أن خال الوالد يسكن بعيدًا منا وخلال عطلة أحد الأعياد قصدنا زيارته لنبارك له العيد ونعرف أحواله وأحوال أسرته وعندما وصلناه وجلسنا معه قال لنا صباح اليوم كنت أتحدث مع إبنى وأقول له الليلة أولاد ولدى بجونا زيارة وسبحان الله كانت نبؤته صادقة حققها الله له فكنا عنده فى ظهر نفس اليوم ف “القلوب شواهد” وصلة الرحم مربوطة بالسماء.
عن عائشة، رضي الله عنها، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله)) فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله، فعلينا أن نكسر تلك الحواجز النفسية والمالية التى كثيراً ماتعيقنا على التقدم خطوات تجاه التواصل الاجتماعى والاسرى مع الأسر الممتدة.