بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
إن الأزمة السياسية التي تضرب البلاد منذ الإطاحة بالنظام السابق، ثم نعكست بصورة كبيرة على أداء الأحزاب السياسية والخلافات التى حدثت بينها نتيجة للصراع من أجل الوصول أو السيطرة على السلطة، والخلاف الذي حدث بين شركاء الفترة الانتقالية أيضا سببه كان السلطة، مما أدى لانقلاب 25 أكتوبر، والانقلاب لم يجعلها تغيير فكرة السلطة بل تمسكت بها أكثر، وكل مجموعة بدأت تبحث عن توسيع تحالفها لكي تقنع نفسها والآخرين بإنها هي المؤهلة أن تتسلم السلطة من الإنقلابيين.
أن اللهث وراء السلطة تحت دعاوي ومبررات عديدة تجعل الشخص يطرح عدة تساؤلات هي :
1/ ما هي الأسباب التي جعلت الأحزاب السياسية أن يكون همها الأكبر الوصول للسلطة في الفترة الانتقالية دون أن تحصر نفسها في عملية التحول الديمقراطي؟
2/ هذه الفترة الانتقالية تختلف عن الفترتين السابقتين أكتوبر 1964م وإبريل 1985م حيث كانت القوى السياسية راغبة في التعجيل بالانتخابات دون النظر في المشاركة في الفترة الانتقالية لماذا؟
3/ من الغرائب الملفته أن أغلبية القوى السياسية قد خسرت مصادر دعمها الخارجي، حيث سقط الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، وفقد الزملاء دعم تلك الدول خاصة في المنح التي كانت تقدم من جامعات ومعاهد تلك الدول، غير الدعم السياسي والمعنوي وغيره، هذه افقدتها كسب عضوية جديدة من الطبقة الوسطى.
4/ فقدت القوى القومية دعمها المساند لها في سقوط النظام البعثي في العراق وأيضا وقعت سوريا في حرب أهلية أضعفت النظام الحاكم فكان سعيها محموما للوصول للسلطة بل أحتكارها في أضيق نطاق حتى يسمح لها تعين أكبر قطاع من عضويتها في وظائق قيادية في مؤسسات الدولة.
5/ سقط نظام القذافي الذي كان يحكم ليبيا، وكانت له علاقات وطيدة مع أحزاب سياسية تاريخية من زمن الجبهة الوطنية، أيضا جعلها تفقد أهم مصدر للتمويل لنشاطاتها.
6/ بقيت مصر ولكن ضعفت الحركة الاتحادية عن صناعة الحدث والتفاعله معه بالصورة التي تجعلهم أقرب للسلطة، الأمر الذي جعلها تبحث عن عوامل تعيد لها دورها في الساحة السياسية، لكنها عجزت أن تفك الحصار المضروب عليها من قبل الأحزاب الأخرى حتى لا تشاركها في المحاصصات.
7/ وغابت العديد من القيادات في الدول الاقليمية التي كانت تقدم الدعم الوجستي لحملة السلاح، ولم يبق لهؤلاء غير الدولة السودانية كمصدر للتمويل لهم لذلك ظلوا في تحالف مع قيادات الانقلاب.
أن التغييرات التي حدثت في المحيط الإقليمي والعالمي منذ بداية تسعينات القرن الماضي، قد أثرت على مجريات العمل السياسي في السودان. الأمر الذي أدي لانقطاع التمويل عن أغلبية القوى السياسية، ولم يبق أمامها غير البحث عن دعم داخلي، فمدخل هذا الدعم هي السلطة. لذلك كل القوى احتفظت بعملية التحول الديمقراطية كشعار بهدف الاستقطاب في الشارع، ووجهت كل مجهودات للوصلول للسلطة من خلال محاصصات، وتعينات في الوظائف القيادية في دولاب الدولة حتى تستطيع أن تمول نشاطاتها.
أن غياب المموليين التقليدين الذين كانت تربطهم علاقات بالقوى السياسية تتمحور في التوجهات الأيديولوجية، أو في مصالح تلك الدول في السودان. قد أدخل دولا جديدة لها شروط أكثر قسوة من سابقاتها، فهي دول ليس لها علاقة بالديمقراطية، وبالتالي هي تريد أن تكون القوى السياسية داعمة للعسكر تحت رايات ديمقراطية صورية، هي دول تستطيع أن تدفع أكثر في مقابل تنفيذ شروطها السياسية. بعض القوى ترفض تلك الشروط، الأمر الذي يجعلها تركز في السلطة، وأخرى لا يملأ عينيها إلا التراب.
أن التغييرات التي حدث في الخارطة السياسية في دول الإقليم والمحيط ، وأيضا حدثت في الدول المؤثرة في السياسة الدولية، لابد أن تنعكس سلبا وإيجابا على السودان، ولكن القوى السياسية لا تستطيع البوح عن ذلك، ولا تستطيع الإجابة عن الأسئلة المطروحة، لأنها لا تتقيد بشروط الديمقراطية، لذلك يوجه السؤال للجان المقاومة ماذا يستطيعوا أن يفعلوا في معالجة هذه التعقيدات؟ وكيف يتم توفير دعم مالي كبير لهذه المؤسسات السياسية لكي تستطيع الرجوع للعقل والتفكير في الجاد في عملية التحول الديمقراطي، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية بعيدا عن الشروط التعجيزية؟ هل تستطيع أيها القارئ الإجابة على هذه الأسئلة؟ نسأل الله حسن البصيرة.