بقلم: زين العابدين صالح عبدالرحمن
إن الأزمة التي تضرب الساحة السياسية في البلاد، تحتاج إلي قراءة جديدة، تحتاج لأدوات جديدة لكي يحدث أختراق ليس في الأزمة، ولكن في العقل الذي يدير الأزمة، حيث بدأت تخرج العديد من المواثيق والبيانات السياسية، تهدف إلي أن تقدم سياقات جديدة محملة بالمقترحات، لكن هذا الكم من هذه المبادرات السياسية تحتاج إلي منابر متعددة يدور فيها الحوار، فالحوار هو الأداة التي تستطيع أن تخلق بيئة جديدة بهدف إعادة الثقة بين المكونات السياسية، ويجب أيضا أن تخرج بعض القوى السياسية من نرجسيتها وتقمص شخصية الأستاذ الذي يجب أن يستمع إليه الكل وينفذوا لما يقول، هذا السلوك ربما يكون يتوافق مع الثقافة الشمولية لكنه لا يتوافق مع ساحة تتطاير فيها شعارات الديمقراطية، يصبح فيها الكل يجب أن يستمع للأخر لكي يستمع إليه الأخرين، فالسياسة لا تقبل الجمود بل المرونة التي لا تفقد الكل المباديء العامة لعملية التحول الديمقراطي.
يعد حزب الأمة القومي من الأحزاب التاريخية، ولدى قيادته الخبرة السياسية التي تجعلهم يستطيعون تفهم المرحلة التاريخية التي يمر بالسودان في عملية انتقال من الشمولية إلي الديمقراطية، وهي مرحلة تحتاج لكثير من الصبر وطول النفس، لذلك قدم الحزب مبادرته أطلق عليها (خارطة الطريق) وقبل أيام أردفها رئيس الحزب اللواء فضل الله برمة ناصر بخطاب تضمن نقاط جديدة، وهي تحتاج لقراءة لمعرفة المغذى منها، في ساحة بدأت تغلق فيها نوافذ الاتصال بعد اعتماد الكل شعار اللاءات الثلاث.
من أهم خطاب اللواء برمة مطالبة “قوى الحرية المركزي” تقييم شفاف للتجربة السابقة حيث قال في خطابه وفي اللقاء الذي أجرته معه قناة (الجزيرة) حيث قال “على قوى الحرية والتغيير أن تجري تقييما شفافا للفترة التي حكمت فيها، وعلى المكون العسكري الاعتراف بفشل الانقلاب، وطلب الجماهير حكم مدني خالص” أن التقييم مسألة ضرورية لمعرفة أسباب الفشل، وإهمال مكونات المؤسسات التي تساعد على عملية التحول الديمقراطي، وأيضا التقييم ضروري للانتقال مرحلة المستقبل، ومطالبته للبرهان بفشل الانقلاب وتسليم السلطة للمدنيين، فالسؤال هل الخيارات التي ذكرها البرهان في اللقاء الذي أجراه معه لقمان أحمد رئيس الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، وحددها في الانتخابات – التوافق الوطني – انتخابات لرئيس الجمهورية إذا كان اتفق على أن يكون النظام رئاسي، هي رد لمطالبة برمة؟ ولمتابعتي لتصريحات اللواء برمة ومؤتمره الصحفي، أن البرهان أراد أن يرد على اللواء برمة وخاصة مطالبته للتنازل للمدنيين، وبين البرهان يمكن أن يتم ذلك عبر الخيارات الثلاث التي طرحها.
قال رئيس حزب الأمة في اللقاء الذي أجرته معه قناة (الجزيرة) “أن الوضع في السودان في خطر، ويتطلب حوارا بين القوى السياسية بهدف البحث عن حل للأزمة السياسية. وقال برمة من الخطأ الحديث أن الوثيقة الدستورية قد انتهت، هي تعتبر بمثابة الدستور الذي يجب الرجوع إليه، ويمكن تطويرها وتعديلها لما يناسب عملية التحول الديمقراطي في البلاد. وقال أن شعارات اللاءات الثلاث المرفوعة لا تخدم قضية الحل السياسي الذي يجب أن يصل للتوافق الوطني كل هذا يأتي عبر الحوار”، حديث برمة هنا يخالف البيان السياسي الذي أصدره المكتب السياسي للحزب أنه يتفق مع شعار اللاءات الثلاثة. وقال صديق الصادق نائب رئيس الحزب لجريدة (الانتباهة) يمكن ألتنازل عن الشعار إذا أوقفت السلطة الحاكمة القمع الذي يمارس ضد الجماهير، لكن الدكتورة مريم المهدي لها رؤية أخرى في قضية الوثيقة الدستورية قالت مريم المهدي في اللقاء مع قناة (سودانية 24) برنامج (دائرة الحدث) الذي شاركها في البرنامج كل من صالح محمود عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي وعلى عسكوري رئيس حزب العدالة الاجتماعي، “أن انقلاب 25 أكتوبر قد اسقط الوثيقة الدستورية” وهذا القول يتعارض مع حديث رئيس الحزب، وبالتالي تحتاج قيادات حزب الأمة توحيد خطابها حول الوثيقة الدستورية وقضية الحوار الوطني، الغريب في الأمر أن الدكتورة مريم تعتقد دور المجتمع الدولي مهم لتسهيل الحل للأزمة، لكن المجتمع الدولي يقر بالوثيقة الدستورية لأنها هي التي تكسب القوى المدنية الشرعية، وحق الشراكة التي يضغط بها قيادة الانقلاب.
في محطة أخرى قال اللواء برمة “أن استمرار إزالة التمكين وتفكيك بنية الحزب الواحد لصالح الوطن إلتزام ثوري ودستوري وسياسي لابد من الوفاء به.” معلوم أن تفكيك بنية الدولة الشمولية والحزب الواحد لمصلحة التعددية مسألة ضرورية ومهمة في عملية التحول الديمقراطي ، لكن الخلاف يصبح في الوسائل المستخدمة في عملية التفكيك، باعتبار الوسائل هي التي تحدد إذا كانت عملية التفكيك تتم لكي ترسي قيما ديمقراطية أم تستخدم ذات أدوات الدولة الشمولية، وهي عملية حدثت فيها أخطاء ولم تنتقد من قبل حزب الأمة، الأمر الذي يطرح تساؤل إذا كان الهدف منها التشفي أم إقامة قيم العدالة. وغياب محكمة الاستئناف وعدم تكوينها، والتأكد من فاعليتها يبين غياب الحس الديمقراطي عند السلطة التي كانت حاكمة.
ينتقل اللواء برمة لنقطة أخرى ويقول “المناخ السياسي مأزوم ومعقد لا يساعد لحل المشكل لذلك نحن مدنيين وعسكريين يجب علينا العمل تعيئة البيئة من أجل الوصول لحل ولذلك يجب علينا جميعا نتوافق ورفض الخلافات وزرع الثقة بين جميع الأطراف. اقصد أن ظروف الفترة الانتقالية تتطلب أن يكون هناك من التوافق بين الجميع. يتطلب الارتفاع عن كل خلاف ووضع مصلحة السودان فوق كل شيء.” أن الارتفاع إلي مصلحة الوطن يتطلب من القوى السياسية انتقال نظرها من السلطة لعملية التحول الديمقراطي، وكل ما كانت المصلحة أدنى يغيب الوطن، أن الخلافات بين القوى السياسية هي قضية المحاصصات وإبدال الولاءات بولاءات جديدة بعيدا عن القوانين واللوائح، فالوطن الآن غير مطروح في الخطابات السياسية المتداولة في الساحة السياسية، حتى الصراع الدائر مع المكون العسكري ومطالبته بتسليم السلطة وكل مجموعة تريد أن يسلموها السلطة باعتبارها هي القوى الثورية وحدها. لذلك تصبح عملية التوافق الوطني مسألة ضرورية.
أعترفت مريم المهدي في برنامج (دائرة الحدث – سودانية 24) “هناك مشاكل حقيقية في قوى الحرية والتغيير تتمثل في الإقصاء وعدم قبول الأخرى والهيمنة ومشكلة اتخاذ القرار، لكن الديمقراطية تعالج بمزيد من الديمقراطية. وكانت الشراكة قائمة بين جانبي الشراكة كل خائف من الأخر” هذا اعترف يساعد أيضا على الحل لآن البعض لا يعترف بهذه الأشياء، حتى عندما قدم رئيس الوزراء مبادرته التي شخص فيها الأزمة والصراع الدائر بين مكونات السلطة، سارعت (قوى الحرية المركزي) وحاولت أن تحتضن مبادرة رئيس الوزراء وتشكلها بتصورها بذات عقليات الأزمة، وكان الهدف من توسيع دائرة المشاركة أن تسحب كل القوى الواقفة في السياج لداخل المسرح السياسي لكي تكون رصيدا للديمقراطية، لكن عقلية السلطة أرادت عكس ذلك، والسلطة صراع لا يستطيع المرء أن يتنبأ بالأدوات التي يمكن أن تستخدم فيه.
ننتقل إلي المحطة الأخيرة والتي يطالب فيها اللواء برمة ناصر “توسيع دائرة المشاركة، ودستور انتقالي يضع أولا في الاعتبار لمطالب الشعب ومهام الانتقال، مرجعيته الوثيقة الدستورية واتفاق جوبا، وقانون يمنع المؤتمر الوطني وأحزاب السدنة من خوض الانتخابات الأولى لما حققوا لأنفسهم من امتيازات غير مشروعة.” أجد هنا أن اللواء برمة بعد ما صعد بالجميع لمرتبة الوطن، لكنه ينزل لدواعي مصالح حزبية، كان المنصوص في الوثيقة الدستورية عدم مشاركة المؤتمر الوطني، ويريد سعادة اللواء إضافة أحزاب السدنة غير المعرفة، لكن المقصود منها منع كل الأحزاب التي تسيطر عليها قيادات من حزب الأمة الذين كانوا مشاركين في الإنقاذ بأن لا يشاركوا في الانتخابات القادمة، ومنع الاتحادي الأصل (الميرغني) لمصلحة التجمع الاتحادي.
هنا نسأل ما هو المقصود بالإقصاء؟ لماذا القوى السياسية التاريخية والحديثة مرعوبة جدا من الانتخابات القادمة، لدرجة تريد أن تمنع بعض الأحزاب من المشاركة بقانون، اعتقد أن ثلاثة عقود من الحكم الشمولي قد أحدثت اختلالات كبيرة في عملية الوعي السياسي بالديمقراطية ومطلوباتها، دائما السيد الصادق المهدي كان يضرب مثالا بالذي حصل في جنوب أفريقيا ” الحقيقة والتسامح” الذي جاء به نيلسون مانديلا لكي يضمن الاستقرار لوطنه وديمومة الديمقراطة.